Sunday, July 8, 2012

خبطتين فى الراس


إذاً قدر لنا أن نحيا فى هذا المجتمع فى هذه الحقبة التاريخية من عمر الزمان,نتعايش معه و نتداخل فى كل تفاصيله يومياً بكل ما تحمله من متناقضات ,من خير و شر,من تشابهات و اختلافات,من انحطاط و رقى..
نحن جزء من ذلك المجتمع الذى تجد فى كل سياراته و بيوته نسخة من القراّن الكريم أو من الكتاب المقدس,و هو نفس المجتمع الذى تغطى كتبه المقدسة التراب فى أغلب أوقات العام!
فى مجتمعنا تحطم مبيعات السبح و العباءات و كل ما يدل –بمظهره-على تدين صاحبه الرقم القياسى,و هو نفس المجتمع الذى لا تأمن نسبة كبيرة من سيداته على نفسهن فى شوارعه المصونة!
 هو مجتمع التحرير و القائد إبراهيم و ميدان الأربعين,و هو نفسه مجتمع "الله يخرب بيوتكوا خربتوا البلد"!
 مجتمعنا المحافظ الذى يميل كل يوم إلى المزيد من المحافظة الذى فيه تحطم أهبط الأفلام و أتفهها على الإطلاق أعلى الإيرادات! 
مجتمع رموزه تنوعت بين كل المتناقضات حتى فى المجال ذاته,فينتمى إلى طبقة الإعلاميين فيه يسرى فودة كما ينتمى إليها عمرو أديب و مصطفى بكرى! ينتمى إلى أزهره الشيخ الشهيد عماد عفت كما ينتمى إليه شيوخ السلطان ,و ينتمى إلى كنيسته مينا دانيال كما ينتمى إليها أيضاً موالى السلطان !
 هو مجتمعنا الذى يقوم فيه الرجال من مقعدهم فى المركبات العامة مفسحين للسيدات طريقهن للجلوس و قد يكون فيهم من يؤمن أن المرأة مخلوق من الدرجة الثانية أصلاً لا تستحق الإحترام!
 فن مجتمعنا فيه فن ساقية الصاوى و مكتبة الإسكندرية و فيه من المهرجانات الشعبية ما يشرح القلب الحزين!
 فى مجتمع  يتغنى الجميع بضرورة تقبل الإختلاف ثم تتجول فى دهاليزه فتصاب بالتلوث السمعى من كثرة ما تسمع جمل من عينة"مسيحى بس كويس,ليبرالى بس بيصلى,بنت بس بميت راجل " و هلم جراً.
لست أدرى هل هذا تنوع أم أن هذا تناقض و لكنهم كانوا يكررون على مسامعى منذ نعومة أظافرى المثل الشعبى الشهير"قال يا داخل مصر..فى منك كتير" فالعلماء كثر, المبدعون كثر, مدعو الإبداع كثر, السفهاء كثر ,أصحاب المبادىء كثر,المتاجرون بالمبادىء كثر, المختلفون كثر و من يزيفون أختلافاتهم أكثر..
كل هذا لا يتعدى مجال علاقة كل فرد بنفسه ,فما بالك إذا قررنا تعدى ذلك إلى تواصلات البشر و بعضهم البعض ها هنا,فما بالك لو قررنا أن نتحدث عن استقبال المجتمع للأفكار الجديدة ,لما هو خارج الصندوق,لكل من قرر الإختلاف ليكسر ما تربى فى نفوس السواد الأعظم من البشر..
محاصرون نحن فى منظومة المعتاد و الواجب و المتوقع و المنتظر و الطبيعى و "الاختيار الصح" –و كأن للصواب طريق وحيد,و كأن الدنيا أبيض و أسود فقط - ...
مفيش رئيس بيمشى
مينفعش طالب يجيب مجموع و مايدخلش طب أو هندسة
ماينفعش تكون رئيستى فى الشغل واحدة ست
و ماينفعش تبقى فى ست شغالة مهندسة أو سياسية ناجحة أو أى حاجة غير ربة المنزل
ماينفعش نغير حياتنا,قال بعد ما شاب ودوه الكتاب
ماينفعش نتعايش مع تغيير,التغيير دائماُ وضع خاطىء يجب أنا نقاومه –الثورة مثال,و منتخبى شفيق عينة عشوائية-
إلخ...إلخ...إلخ
قد نقف سنوات أمام هذه التركيبة العجيبة,أمام مجتمع ال"خلطبيطة بالصلصة " محللين الأسباب و قد يدلى كل بدلوه فى هذا و لكنى بعد أن فاض بى الكيل -و أزعم أن عدد لا بأس به من جيلى يعانى نفس المعاناة- , وجدت ضالتى فى جملة نعرفها دائماً,فى قاعدة منطقية قد لا نهتم بها من فرط بداهتها "دايماً فى أول مرة"..
لن أجادلكم فى أن ما تعتقدونه خاطىء,سأسلم بصحته أو سأترككم تقتنعون أنى سلمت بصحته , و لتروا النموذج الأول الذى يخرق تابوهاتكم و يحطم أصنامكم أجمعين .. فلتروا فى هذا الجيل من يمسك بكتاب حر يقرأه فى وسيلة المواصلات,ستراه أول مرة فتنظر له بإستنكار:أول خبطة فى الرأس
لو رأيته مرة أخرى ستستغرب فحسب:تانى خبطة فى الرأس
و لو رأيته كل يوم فلن تكون الفكرة غريبة بعد الاّن 
فالحاجز الاّت بين الفكرة و المتلقى قد أنهار.. خبطة,اتنين,تلاتة,عشرة,إلى أن تنطبق الحوائط على من يمشون بداخلها,فإذا لم تكسب سفير جديد للفكرة فقد انتصرت لها على اضعف الإيمان..
خبطتين فى الراس تنضف..
 هو نفس –التكنيك- الذى زرعوا به فينا كل ما هو خاطىء ثم أتموا الجميل و زرعوا فينا التسليم بأنه الصواب المطلق و أن الأحلام لا تتحقق و أن التغيير وضع خاطىء فثبت كل فى موقعه..
عزيزى يا من صنعت سجنك من الهوا و دخلته بإرادتك,بل و أردت للأحرار السجن بداخله أيضاً لأنك لا تملك من الشجاعة ما يكفى للإعتراف بخطأك...دايماً فى أول مرة.