- 1 -
"رمز الماضي"عادة ما تكون فكرة التقليب في القديم من الكتابات مربكة، عادة ما يحمل المرء قلق بسبب لقاء عابر مع صديق قديم، عادة ما نخشى زيارة أماكن كان لنا فيها أياماً، للماضي هيبته دوماً فهو يأتيك محملاً باحتمالات "المفاجآت" اللامتناهية! يضعك أمام صورة ما قديمة وأخرى أحدث منها لنفسك أو للآخرين -وربما لا تكون مستعداً لاستقبال ذلك أو مجرد التفكير فيه-.
الأمر ليس بهذا السوء في الواقع، أقضي بعض الوقت خلال أجازتي في التقليب في بعض الكتابات والصور، أقابل بعض الأصدقاء كذلك، ولا أخشى بدايات الحديث مع من هم أقدم منهم عهداً بحكم "المناسبات الاجتماعية والدينية".
أعتقد أن المقارنة في صالحي ..
أرى اختلافاً كبيراً، لم أعد أرى ضحكتي ببهتانها القديم، الألوان أزهي مما كانت تبدو عليه، الزحام لا يربكني بل أشعر معه ببعض الدفء، والجديد من الأماكن لم يعد جديداً بعد عام من الذكريات والحكايات والعلاقات ..
التجربة لم تكن مرعبة، والنجاة منها كان ليكون أسوأ اختيار على الإطلاق ..
تحررت بالتدريج من ثقل الكثير من التراكمات والتجارب، واستنزف بعضها كل الألم حتى أن أشعر أنه ما عاد في مقدوري أن أتألم لأي شىء قط -محض هراء طبعاً، تثبت الحياة بين الوقت والآخر العكس- ولكني أعلم علم اليقين أن الله يمنح منه القدرة على تجاوزه ..
فانتازيا وجود الكثير من التواريخ الهامة في حياتك -السفر، العمل، التجاوز، القرارات ...-، وسحر تزيين دفتر التواريخ بحكايا أشخاص لبعضهم أثر الخفة من المرور ولآخرين أثر أكثر عمقاً، زخم الانتقالات الكبيرة والخطوات الكبيرة والتغيرات الكبيرة .. وتمني أن يكون هناك دوماً الوقت لنقف ونسأل ونتأمل كل ذلك ..
ربما "عقدة الوقت" هي الوحيدة التي لم أتنصل منها حتى الآن .. "الوقت مش دايماً معاك"، آخري في التطبيع معه وصل أن أدرك أنه "مش ضدي برضه .. "
أقدر دوماً هذا الكم من التجارب التي نمر بها فيشكلنا، ثم يعيد تشكيلنا، ويعيد تعريفنا لثوابتنا، ويبلور بعض الأفكار ويطرد آخرى .. هذه الديناميكية الصحية بالتأكيد التي نكون بعدها من نحن عليه، مهما كان ذلك مرهقاً ومهما كان مؤلماً ..
معترك الحياة لا يمر بدون خسائر بالطبع، قديم عهد بتصالح مع "الترك" يغلب بعض الرغبة في "التمسك"، وقديم عهد من الرشد يبث في المرء طاقة وزن الأمور وتقييمها بين الحين والآخر ..
وأهو كله على الله ..
(مواعيد مواعيد، كله بميعاد .. فرقتنا موت ولقانا ميلاد ..
قلبي يا غريب الخطوة نصيب، الفرح قريب ..يا نغم ولاد .. )
-2-
في مكتبي وأمام ناظري لوحة كتب عليها "اللي يعيش ياما يشوف واللي يمشي يشوف أكتر" .. أراها يومياً لما يقارب العام، اتأملها أحياناً وأعتبرها جزءاً من الديكور في أحيان أخرى .. ولكن فرصة أن "أعيشها" لم تسنح قبل هذا العام ..
بين محافظات مختلفة: القاهرة - كفر الدوار -إسكندرية - السويس -كفر الشيخ
وبلاد مختلفة: مصر - الأردن - اليونان
واستقرار في أماكن مختلفة بين القاهرة والإسكندرية
وبالطبع ناس مختلفة!
بين ذلك كله ورغم ذلك كله -مع التحفظ على عدم تعريف "كله"- لا أعلم بعد السبعة فوائد المذكورة للسفر ولكني أعلم تحديداً فوائد لم تكن أبداً في الحسبان لم تتشكل بعد، ولكن بقرب "النهايات المجازية" ربما تتبلور الأمور ..
فلله الحمد
(دة أنا واد خيال عاشق الترحال على قد الحال ..
لكن ميال ..)
- 3 -
الإغراق والاستغراق وسنينهم ..
ذلك التطرف القديم والانحياز للعقل، وتدريب الشعور دوماً على التفكير الهادىء قبل البوح انضم له تطرف آخر خاصة "بالعملية"، ضفه إلى الشعور بنفاذ الوقت طوال الوقت -هع- نشكل صورة لفيلم عربي قديم تقوم بطلته بالجري دوماً من شىء ما أو إلي شىء ما مع نفاذ القدرة على التقاط الأنفاس في أغلب الوقت، واحتمالات فقد الاتزان المرجحة بشدة تظهر بين الحين والآخر .. في الممشي الكثير من الأشياء التي تستحق الوقوف .. ربما كان الجمال هناك، ربما كان الصدق هناك، ربما كان الثبات هناك .. فلم السعي لآخر؟
تقف لثواني ..
تتذكر كم تكره المؤجلات وكم تخشي الوقت ..
(الصبر سبيل .. الخطوة طريق )
- 4 -
" ربنا خلق الكون ب16 تيما، من أول خلق قابيل وهابيل لحد ما الدنيا ما هتخلص هتفضل دي تيمات الحب والصراع والنزاع والعلاقات وكل حاجة ، مفيش تيما 17 .."
والبني آدمين واحدة والصراعات متشابهة والرحلة -قد تكون- كما قالت صديقتي بالأمس "فردية"
(فرحنا تساهيل ..)
- 5 -
لهم، لبعض الظل في يد الصمد .. -أحرف عوضاً عن الأسماء-
لقدرتها على إلهامي دوماً باتزانها وثباتها على أرضيتها الصلبة وإن كانت تعيش في منطقة زلازل/ ص.
لقدرته على أن يقول للحلو يا حلو في عيونه، ولأن يعترف لكل شخص بفضله/ ي.
لشعوري نحوهما بالمسئولية والأمومة، لغبطتي لهم على سرعة تجاوزهم للقديم من المراحل ولإشفاقي عليهم مما قد يكون قادم، لثقتي دوماً فيهما ومعرفتي اليقينية بأنهما سيكونا يوماً -اللي على مزاجهم-، لخفة حضورهما وانسيابية التلاقي رغم ابتعاد المسافات/ ر. وم.
لجنونها وانطلاقها وللخلاط الذي تحيا فيه دوماً ولعشوائية أفكارها وشعورها./ س.
لصدقها وجمال نظرتها للأمور وهدوءها المشل أحياناً لمن هم مثلي. / أ.
لصراحته وصراعاته بين القبح والجمال، ولقدرته دوماً على أن يذيل كل الصراعات بـ"يلا يلعن أبوهم ولاد كلب"./ ع.
لصحبة المشي والضحك والتواصل الخفيف، لسرعة تقبل تغيره من مكان لآخر مع الحفاظ الدائم عليه./ هـ.
للعقل والصبر والإصغاء والانتصارات الصغيرة والثورات الكبيرة عنده الصغيرة عند الكوكب./ جـ.
لـ"كوبري عباس" ووقفته معه كفاصل بين وسط البلد والجيزة، ولما يكون في ذلك دوماً من حوارات صادقة./ بـ.
لاتساقه مع نفسه، ولانتزاعه الحق في الاحترام من كل من يختلف معه ولخفة الصحبة وذكاء فهم الآخرين واانسيابية. /أ.
للدايت اللي عمره ما بيكمل معاها، وللاتنين كيلو بس الزيادة، وللبساطة. /أ.
للنضج الأربعيني في البدري، لتصرفات شكر نعمة الله وعمل من الصالح ما يرضاه بعد النضج. /ع. وم.
لإعادة اكتشافي لهما التي بدأت في وسائل المواصلات على سفر ولصدقهما. /أ. وح.
لغموضه وحيرتنا فيه، وظهوره المبكر وتأكيده عليه خلال الوقت، لصاحب العقل الأوحد القادر على إبهاري وللسؤال الدائم معه:"الحب حلم وبس ولا بصحيح؟" ./ أ.
لعنف اللقاء الأول، ولانسيابية اللقاء الثاني، ولاختياره فاصل زمني كافٍ بينهما لابتلاع الخضة./ ش.
لأثر وعنف الصدمات المتجلي في كل جوانب حياته./ إ.
لحضورها دوماً الخفيف المعطر برائحة الريحان. / ع.
لجمال نضجها، ورقي روحها، وزمزقتها الطفولية. / ن.
لها ولما كنا عليه، ولأمل العودة. /أ.
لتفاهة أو عادية الآخرين أو قدرتي المبهرة دوماً على التسقيط.
خلفية موسيقية مقترحة: قلبي مزامير / محمد منير
https://soundcloud.com/mohamed-kamilao/vljhku28behu
اللوحات: فان جوخ