Sunday, January 2, 2011

أنا و وطنى


إلتقينا ذات يوم...كان أول يوم فى عام دراسى جديد لقاء عادى لم أكن اعرف ما سيحدث بعده -ككل اللقاءات- عرفتنا صديقة قديمة قائلة:هذه( دينا)...و هذه (دينا) أيضاً....أعلم أنكم ستكونون أصدقاء و صدقت نبوءتها و ببعد نظرها أصابت هى:فتاة جميلة الملامح و الشخصية....انعكس جمالها تقديراً للجمال ذاته و لكل ما يحاكيه من فن و ذوق و رقى هى فتاة مسيحية متدينة....روح التسامح و الحب فى دينها فاضت منها على كل من حولها بل و على كل ما حولها لا أكاد أراها حتى أتذكر قول الله-عز و جل_ (لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ
هى المودة....هى الكلمة التى تصف ما بينى و بينها
و بسرعة تطورت صداقتنا و عرف كل منا الاّخر أكثر و منح كل منا للاّخر ثقته سريعاً
تشاركنا فى كل شىء
تعلمنا سوياً
مشينا سوياً
سمعنا نفس المزيكا(منير و فيروز طبعاً)
أكلنا من نفس الطعام و هو فى الغالب-كبدة أسكندرانى-نقاطعها حينما تصوم هى ,و تقاطع هى معى كل الطعام طوال شهر رمضان إلى اّذان المغرب
كنت قبل أن أتوجه لها بالعذر لأنى سأتكرها لأتوجه لأداء الصلاة كانت تقول لى:يلا نصلى
أعرف من حكاويها كل شخص فى الكنيسة التى تتردد عليها....لكل منهم صورة فى مخيلتى...أفرح لفرحهم و أحزن لحزنهم و ما زلت لا أعرفهم
فى كل ضائقة كانت تقول لى:صلى الفجر و أدعيلى....فأرد قائلة:و أنتى صليلى
لطالما تجاذبنا أطراف الحديث.....لطالما حلمنا بوطن أفضل....بل بوطننا أفضل
هى -بطبيعتها الرقيقة-ترى فى حلمها فن راقى و شوارع نظيفة و قلوب محبة
و أنا أرى فى حلمى وطن حر و عادل
و كلانا شيد قصور أحلامه على أرض نفس الوطن
كلانا كان يهنىء الاّخر بيوم مولده فى أول دقيقة فى سنته الجديدة....ليس ذلك حباً فى تقليد المتعارف عليه-فلطالما تمرد كلانا على الكثير من التقاليد البالية-بل لأننا حقاً سعداء بوجود كل منا فى حياة الاّخر
أعرف أن (دينا) حين تصلى تذكرنى و تذكر مصر....و هى تعرف أنى كذلك أذكرها و أذكر وطننا

كنت أفكر فى كل ذلك فى الساعات الأولى من العام الجديد....وقتها سمعت أنباء الخبر المأساوى لحادث الإسكندرية
تتابعت الأفكار:ترى هل حدث لها مكروه؟
أحاول طرد هذه الأفكار جاهدة من عقلى و لكنى لا أستطيع
كيف سيخاطب كل منا الاّخر بعد ذلك؟
هى تعرف أن ما حدث لا علاقة له بالإسلام-ولا بأى دين-و أنا أعرف أنها لن تدع الإنفعال يسيطر عليها....و حتى لو تمكن الإنفعال منها فليس فى قلبها حقد أو كره يخرج فى مثل هذه الأوقات...فقط مودة....فقط محبة
هل ستشكرنى إذا قدمت لها العزاء فى شهداءنا كما يفعل الغرباء؟
ماذا سأقول لها إذا سألتنى:ليه؟و بأى ذنب؟!!
كانت ليلة طويلة طويلة.....لم أذق فيها للنوم طعماً كمداً على وطنى
و طلع الصبح...رأيت قائمة المصابين و الشهداء
فيها من أعرفه.....فيها من درس لى و تلقيت على يده علماً....فيها من لا أعرفه و من لم أره من قبل.....فيها ابناء وطنى
فيها بشر
هاتفت( دينا)....الحزن فى صوتى و فى صوتها
هونت علىّ....و حاولت أن أهون عليها
ألمنا واحد و وجعنا واحد
و حلمنا لهذا الوطن واحد
أرض واسعة يعيش عليها الكل بمنتهى السلام و الأمان و الحب.....يرى مواطنوه الأمل فيه- و لا يكابدوا من أجله-....يشعروا بانتماء له -و لا يجاهدوا أنفسهم من أجل ذلك-....وطن منح الجميع حباً فمنحوه أكثر
القضية ليست قضية اثنين...هى قضية شعب كامل روابطه أقوى مما يظن الكثيرون....هى قضية هذه الأرض التى استشهد من أجلها المسلم و المسيحى فاختلطت دماؤهم و سالت على رمالها
لا لستم مسلمين....لا لستم مصريين....لا لن تفلحوا
لا أعرف كيف كتبت هذه الكلمات و لم؟
كنت على اقتناع -و ما زلت-أن أى كلمات لن تخفف من وقع ما حدث....أن الوقت وقت أفعال
أن هذه النار لن تطفؤها إلا محاسبة سريعة لكل من أراق دم مواطناً مصرياً على هذه الأرض
و لكن ليت كلماتى تذكر كل منا بكل مينا و مايكل و ايرينى و بولين و دينا فى حياة كل فاطمة و محمد و أحمد و زينب
ليت كلماتى تساهم فى لصق ما يحاول البعض كسره
ليتنى أقف أمام الله يوم القيامة و فى يد كلمتى هذه و فى اليد الأخرى ايدى شهداء أول يوم فى العام لأقول لربى:.حاولت أن أبقى على هذا الوطن