Tuesday, December 14, 2010

فى بيتنا....صالون


اّه لو كنت عاصرت هذا الزمن الذهبى...وقت أن كان المبدعون و الأدباء و الفلاسفة و المفكرون و المطربون و كبار رجال الدين و السياسة و الإقتصاد يجتمعون فى مناسبة غير ما قبل موسم الإنتخابات فى مقابلاتهم التاريخية مع السيد الرئيس-طويل العمر يطول عمره و يزهزه عصره و ينصره على مين يعاديه-
سمعت كثيراً عما كان يسمى قديماً (بالصالون الأدبى)...لم أره بأم عينى قط....أسمع عن رواد له...أسمع عن سيدات و رجالات نجحوا فى جمع رموز مصرية كبيرة فى صالوناتهم و دائماً أتساءل لماذا انقرضت هذه الفكرة مع ما انقرض؟ و أعود لأقول...اّه لو أنى رأيت زمناً للصالون فيه ارتباطاً بشىء اّخر غير الزواجات الملفقة و الضيوف الغير مرغوب فيهم
اّه لو تعود هذه العادة الجميلة لزماننا هذا....و تفتح على مصراعيها لتستقبل الشباب ولا تحرمهم شرف مقابلة الكبار و تبادل الخبرات و التعليق على الأحداث و مشاركة الأفراح و الأطراح
و سرحت بخيالى و تخيلت أن يتحول صالون منزلى المتواضع-أو أى صالون-إلى هذا الجمع الموقر

أمر بعينى قبل أن أدخل على ضيوفنا لهذه الليلة و أشعر براحة شديدة...أدخل بفضول الأطفال و أمر على كل منهم أكلمه و أحدثه

يجلس بجوار الباب فضيلة الشيخ /محمد الغزالى
أحييه بتحية الإسلام....تحية الإسلام الواسع الذى عرّفنا به....أشكره على أن استطاع أن يصل بنا إلى جوهر الإسلام:العدل و الحرية
أشكره على أن كانت كتبه و افكاره بشيراً لنا بأن الوسطية ستظل موجودة فى ديننا الحنيف و أن للعدل و للحق جنود خلقهم الله ليحملوا الرسالة
اسأله كيف استطاع أن يجمع دائماً ما بين الصرامة و الحزم و ما بين اللين و الرفق
فيجيب فى تواضع الكبار:هذا دينى....هذا دينك....هذا ديننا
و اسأله:لو كان مكانك الكثير لرفض التواجد مع رموز فنية فى مكان واحد....ألا تمانع؟!
يبتسم فى هدوء


بجواره يجلس الرائع الراحل:مصطفى محمود
اسأله:هل كانت خلطة سحرية من إمام مسجد للقضاء على الصراصير ببعض الاّيات القراّنية تستحق هذه الرحلة الطويلة من الشك؟
فيجيب : تسفيه العقول و تسطيح الدين يدفع الكثير إما إلى الشك أو إلى التطرف...فى الإعتدال يوجد الحل دائماً...و فى الفطرة خير حصن

و هناك يجلس الشيخ إمام محتضن عوده كعادته
أخبره أنه سبق عصره حينما غنا (الممنوعات)و ها نحن حقاً نعيش عصر الممنوعات
اشكره أن منحنا تأريخاً لأحداث تاريخية كثيرة بأغانيه من النكسة إلى التطبيع إلى حرب فلسطين و غيرهم
سألته مداعبة:طب هما مين و احنا مين؟

فيشدو من الغنوة مقطع و يقول:
هما مين واحنا مين
هما الأمرا والسلاطين
هما المال والحكم معاهم
واحنا الفقرا المحكومين
حزر فزر شغل مخك
شوف مين فينا بيحكم مين
اسأله:هل نصبر عالجار السوّ؟
فيغنى أيضاً و يقول
الصبر حلم العواجز يطرح زهور الأماني
والقهرعدى الحواجز وانا اللي واقف مكاني

اسأله عن الأمل...هل ما زال موجوداً
؟!
يجيب فى يقين و هو يشدو
و اسمعى يا بلدنا خلاصة القول
و بقولك أهو و أنا أد القول
مش ممكن كدا....حيحول الحول

على كدا و الناس...يفضلوا ساكتين
خليكوا شاهدين


و يصدق على كلامه بيرم التونسى و يقول
يا مصرى و أنت اللى هاممنى من دون الكل
نمت و العالم قايم قوم بص و طل
ف
أداعبه قائلة:تونسى.... مالك و مال المصرى بقى؟
فيرد فى حنق:أنا مصرى قبل منك يا حلوة...أنا مصرى أكتر منك

فأضحك و أتركه من باب قصر الشر فلن أكون محظوظة أبداً إذا تفانت هذه الموهبة فى هجائى و له فى ذلك سوابق


أتركهم و أذهب إلى هذا الجالس يراقب تصرفات الجميع و تعليقاتهم بإبتسامة رقيقة فهو يجيد فهم البشر أقف أمامه لأعلمه بسر:تعرف....أنت أكتر واحد قريتله فى كل دول
دائماً أنت بين كل كتاب و اّخر...دائماً أنت فى الإستراحة من متاعب الحياة...دائماً أنت من ترتفع بروحى و تزيدنى زهواً أن خلقت إنسانة
هو عبد الوهاب مطاوع
بالتأكيد
أغبطك لأنك أمتلكت القدرة على فهم مفاتيح النفس الإنسانية إلى هذه الدرجة...منحت الناس صدقاً و وقتاً و ليناً فمنحوك خبرة و ثقة لن تعوض
يشكرنى و يذكرنى أن خيالى كان فكرته من الأساس:أنا أول من جمعت المبدعين فى صالون منزلى و على أرفف مكتبتى و كتبت مقالات تصف حوارى معهم فأقر و أشكره على فكرته

و يدخل متأخراً ليملأ الجو مرحاً و بهجة و تفاؤل (صلاح جاهين)
اسأله:تقفز و كأنك ترقص
فيجيب:
غمض عينيك و ارقص بخفة و دلع
الدنيا هى الشابة و انت الجدع
تشوف رشاقة خطوتك تعبدك
لكن انت لو بصيت لرجليك...تقع
و عجبى
فأخبره أن أقرب الرباعيات لقلبى

أنا اللي بالأمر المحال اغتــــــــــــوي

شفت القمر نطيت لفوق في الهـــــوا

طلته ما طلتوش إيه انا يهمنـــــــــي

و ليه .. ما دام بالنشوة قلبي ارتوي

عجبي !!

و أقول له:أقولك على سر...أنت من أنجانى من الوقوع فى الإزدواجية و الشك فى قدراتى العقلية....أبات يوماً هائمة فى حب هذا الوطن....و أبات يوماً اّخر لاعنة له و متمنية لو أنى أستيقظت لأجد نفسى فى أى بقعة أخرى من الأرض....بس و الله يا عم صلاح من ورا قلبى...يسمعنى السامعون فيتعجبون و يلوموننى و لكنك وحدك تدرك المعنى
هو:فهمتك
بحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب
وبحبها وهي مرمية جريحة حرب

بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء

واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء

واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب

وتلتفت تلاقيني جنبها في الكرب

والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب

على اسم مصر

و سمحت لنفسى أن اسأله سؤال اّخر:كما مررت بلحظات تصالح مع الحياة و حب لها مررت بالاكتئاب و اليأس...هل ما زلت تؤمن أن الحياة بالحلاوة التى كنت تصفها ؟

فيخبرنى:هى بين الحلاوة و الشقاء و لكن

" محلا الحياه حتى ولو فتافيت "

" محلا الحياه ولو فى أواخرها "


و عجزت أن أنطق بكلمة لبراعة تعبيره و لنداء أمى الذى قطع حبل الخيال

ودعت عزوتى و وعدت الباقيين منهم بلقاء قريب و مشيت إلى أمى مبتهجة أردد

" محلا الحياه حتى ولو فتافيت "

" محلا الحياه ولو فى أواخرها "


Monday, December 6, 2010

قوس قزح


بدأ اليوم.....كما يبدأ أى يوم اّخر
كالعادة استيقظت صاحبتنا من نومها لترتدى ثيابها و تذهب إلى جامعتها....و من هنا بدأت سلسلة الروتين اليومية نفس الشوارع
نفس الأشخاص
نفس المحاضرات
نفس المعلمين
حتى أنها صارت تركب الحافلات مع نفس السائقين فى الكثير من الأحيان
شعرت أن الملل يتسرب إلى كل تفاصيل حياتها,-و هى التى ترى فى الملل و فقد الحماس درباً من دروب الموت-
حتى شوارع مدينتها التى كانت دائماً تعجب بتصميها تراها مملة,ثلاثة خطوط متوازية,طريق الحرية,خط الكورنيش و الترام...لن تضل الطريق فى هذه المدينة أبداً
و لكن الطريق يضلنا فى أحيان كثيرة
حاولت أن تكون طبيعية و أن تتعامل مع الجميع بشكل ودود...لطالما تمنت أن ترمقهم جميعاً بنظرة من الزهد و تتركهم و ترحل...إلى أين؟...إلى أى مكان لا تكون فيه مجبرة على التصنع أو التكلف
حاولت أن تشاركهم الأحاديث,و التعليق على أخبار بلدها المحروسة,و النقد و الدعابات فى الكثير من الأحيان....مجرد محاولات
قالت أحداهن:الجو اليوم كئيب جداً
نظرت حولها,لم تكن قد لاحظت إلى هذه اللحظة أن البرد حقاً قارص ذلك اليوم,السماء ملبدة بالغيوم
و رغم أنها كانت تعشق هذا الجو,كانت تستطيع أن ترى فيه أمل,أمل فى أن تشرق شمس جديدة,أو أن تهبط الأمطار حاملة معها الخير و البركة,فهى تعشق الشتاء لأنه -كبعض الأشخاص-يمنح غيره الحياة و الروح
و لكنها لا تكاد ترى هذه اللمحات من الأمل...إطلاقاً

أعتذرت من الجميع و انصرفت
لم تكن تعرف إلى أين الوجهة....تذكرت تعبير تكرر كثيراً أثناء دراستها لقصة عنترة و عبلة فى الصف الأول الثانوى....-خرج عنترة يهيم على وجهه فى الصحراء-و لكم سخرت منه هو الاّخر...و ها هى تتبع خطاه
صديقتها كانت محقة,جو المدينة غريب اليوم,غيوم السماء من نوع مميز,هو نوع لا يبشر باحتمالية سقوط أمطار و طبعاً لا يشى بأية نية لظهور شمس مشرقة,البحر هو الاّخر ينتفض انتفاضات عصبية غريبة تشبه حركة الأمواج و لونه شديد العكارة,بينهما -على اليابسة-أعمدة النور و يا للعجب-كلها مضائة-و فى وضح النهار!!!!
استطاع الإهمال أن ينتزع منها ابتسامة تعجب و ألم تعرفها جيداً,فهى غالباً تظهر حينما تتابع أى شىء يخص أحوال بلدها....هى مصرية

تذكرت قول الشاعر

وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟

هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور

أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير

أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟

لست أدري!

و بعد ساعتين من المشى المتواصل و بعد فترة -لا تكاد تتذكرها من طولها -من التفكير الأكثر تواصلاً,نظرت حولها فوجدت الكثير من الناس رؤوسهم مرفوعة لأعلى و يشاهدون شيئاً ما....نظرت هى الأخرى و ذهلت لما رأت



إنه قوس قزح....لأول مرة فى حياتها تراه بالفعل....تؤمن بوجوده....ذكروه كثيراً فى كتب الفيزياء....ذكره الذاكرون أيضاً ممن لا يفقهون شيئاً عن العلم....موجود,كادت تنسى هذه المعلومة أصلاً
بمعنى أدق....لقد رأت فيه الأمل....قد يغيب هو الاّخر و لكنه موجود....موجود...موجود
رأت فيه التغيير,رأت فيه التجديد,رأت فيه الحلم,رأت فيه مبادىء تتمنى أنتشارها,رأت فيه كل ما تتمناه و لكنها لاتراه

ابتسمت ككل من راّه معها و قالت:سبحانك ربى
لفت نظرها كيف سعد الجميع برؤية مظهر من مظاهر جمال الله فى كونه....هى الفطرة التى جبلت على حب الجمال و الرقى و الصفاء و الأمل و الخير....هى الفطرة التى تنقذنا دائماً.....هى الفطرة التى تبقى الإنسان إنساناً