استيقظت اليوم متأخرة بعض الشىء عن ميعادى المعتاد,لم يكن التأخير كبيراً حتى يفوت موعد أول محاضرة و لكنى قررت ألا أذهب إلى الكلية....فجأة شعرت أنى قد مللت التلقين و الروتين و التعليم بطريقة أبلة نظيرة و مللت طريقة تعامل الأساتذة معنا على أننا طالعين من الإبتدائية عليهم عدل,حتى أن بعضهم أوحى لى و لزملائى ذات مرة أنها على وشك أن تمر على الطلبة-الجامعيين-لتصحح الكراسات و أنها ستزف إلينا البشرى السارة ليلة أمتحان نصف العام الدراسى الأول بأنها نزلت التوقعات المرئية فى الليزر(وحدة تصوير الورق فى كلية الهندسة).....و غيرهم من ناشرى الموجات السلبية و عاشقى الإحباط....و غيرهم ممن أتوقع له النجاح الساحق فى أى مهنة سوى التدريس و هكذا صار الجميع ضحية نظام تعليمى فاشل
قررت أخذ أستراحة قصيرة و أن أذهب لجامعتى فى موعد المحاضرة الثانية
و بالفعل نزلت من منزلى و سلكت دربى المعتاد فى محاكاة للروتين اليومى.....و لكن شيئاً جديداً حدث على غير العادة.....الدنيا بتشتىىىىىىىىى
شعرت بسعادة بالغة ليس فقط من أجل التغيير و لكن لأن الشتاء فصلى المفضل
لم أجد أى مواصلة أنط فيها عشان أروح لأبلة نظيرة....عفواً دكتورتى الجامعية العظيمة....فقررت أن أنتقل إلى موقع الحدث....إلى كورنيش بحر الإسكندرية لأشاهد الأمطار و هى تهطل عليه فى مشهد يعتبر الأول فى حياتى
كنت قد قررت ألا أمشى تحت المطر على كورنيش مدينتى الجميلة إلا مع مستر إكس....و اللى ميعرفش مين مستر إكس مايزعلش لأنى أنا نفسى معرفوش....و لكنه شخص إفتراضى لأجل غير مسمى و لكنى أعلم أنه موجود فى مكان ما,إن لم يكن استشهد فى حرب أكتوبر أو ترك البلد مهاجراً فإنه موجود.....هو سعيد الحظ و اللى حماتى دعيتله فى ليلة القدر فاستجاب لها الله و رزق أبنها بسعادتى....فنعم..أنا من أولائك الذين يؤمنون نظرية النص التانى
و لكن الموقف كان أكثر إغراءً من أن يؤجل لهذا الأجل الغير معلوم,دا ممكن قانون الطوارىء يتلغى و أكس لسا مظهرش
و بالفعل كانت كل الخواطر و المواقف الاّتية تحت المطر فى عروسة النيل المحروسة و تحديداً فى عروسة البحر الأبيض المتوسط
الشارع لأول مرة تقريباً لا يوجد به أحد,قلة قليلة تهرول تحت المظلات,رجال بذقون,رجال -كاجوال-,بنات محجبات,منتقبات,طلبة و طالبات...اختلافات لا حدود لها و الجميع ينظر إلى فى إستعجاب و إستغراب,فجأة طبقات المجتمع المصرى إجتمعت على إنى فيا حاجة غلط...و ماله الوحدة حلوة بردو من أيام المرحوم مينا موحد القطرين
مرشخصاً عشوائى المظهر أو كما يظن البعض-مجنون- و منهم حقاً تخرج الحكم,نظر حوله و قال:دى بتشتى....ثم تعالى صوت ضحكه بشكل ملفت و قال:بركة يمكن تخضرّ...و أخذ يغنى:عايزينها تبقى خضرا الأرض اللى فى الصحرا,و نقدمها لمصر هدية حاجة جميلة و معتبرة
أكملت سيرى و الناس تنظر إلى مندهشة و أنا أتحسر على حالهم المتعجل فحقاً إنهم لا يشعرون بروعة و جلال سقوط الشتاء,مرت فتاة تمشى بهدوء و تستمع إلى موسيقى-لم أميزها-على هاتفها,وجد كل منا ضالته فى الاّخر فالجميع فى عجلة سوانا فنظر كل منا للاّخر بإبتسامة تشى بجوهر السعادة الذى نشعر به
مررت على مجموعة من عمال البناء الصعايدة,قال أحدهم لزميله:بالذمة حد يشتغل فى الجو دا....رد الرفيق:طول عمر الصعايدة أجدع ناس و نشتغل فى أى وقت.....فقال الأول:طبعاً...دا أول واحد طلع القمر كان صعيدى.....ضحك الجميع و سأله أحدهم:طلع يعمل ايه عاد؟....فقال له:كان بيورد رمل و أسمنت
ضحكت لقدرة المصرى على اختلاق الإنجازات الوهمية و لروحه التى تنجيه دائماً من كل الصعاب
الشارع ملىء بلافتات الدعاية الإنتخابية و كثيراً ما تمر بجوار مجموعة فتسمع أحدهم يقول:أهى كلها وعود كدابة
و يرد الاّخر:زيد زى عبيد و أحمد زى الحاج أحمد
حال أولائك البشر جعلنى أتسائل:على فين يا حلوة؟......مش بعاكس لا سامح الله.....و لكن حقاً على فين يا مصر؟هل من خلاص؟...و نظرت إلى المطر و فيه وجدت الإجابة,فكما يحيى الله الأرض بعد موتها به فى معجزة إلهية لا تملك إلا أن تقف عاجزاً أمامها,قادر الله على أن تحيا هذه البلدة-زينة بقاع الأرض-
و على بلوكات البحر,يعبر شبابنا عن اّرائهم و طموحاتهم و مواقفهم من الحياة,و قبل أن نتفق أو نختلف على هذه الوسيلة التعبيرية يجب أن نبادر أنفسنا بالسؤال:كانوا لقوا مكان تانى يعبروا فيه عن رأيهم ولا حد ألين من الحجر يسمع و ماراحولوش؟
كتب أحدهم:الحب حرام
فرد اّخر تحته:مش محتاج أتوب....حبك مش ذنوب ولا عشقك خطية
كتب أحدهم:نعم....لجمال الدولى-مشجع نادى الإتحاد الأشهر-
كتب اّخر:الأولة بلدى....و غيرها ماليش
و اقتبس غيره من عمنا صلاح جاهين:اتكلموا....محلى الكلام ما أجمله و ما ألزمه
و واحد شغلته قضية الوحدة الوطنية فكتب:اللى أوطانهم تجمعهم....عمر الأديان ما تفرقهم
و كتب منيرى مأصل جملة أعشقها من غنوة(ياما مويل الهوى):شرط المحبة الجسارة
و صاحبنا هذا ذو نظرة فلسفية فكتب يقول:لو الإنتخابات كانت بتغير مكانوش عملوها
و هكذا اقتبس شبابنا من أشعار جاهين و أحمد فؤاد نجم و من أغانى محمد منير ما يعبر عن واقعهم......تساءلت :متى ظهر هذا الجيل و لماذا لا نرى له أثراً حتى الاّن؟...و أدركت أن دوام الحال حقاً من المحال
فى المطر أمل...أمل بأن يحيى الله الأرض بعد موتها....أمل فى أن يحيى الله قلوب العاصيين بعد غفوتها و يردها إلى دربه رداً جميلاً...أمل فى الغد....أمل فى أن تشرق الشمس من جديد
و أكملت سيرى مستمتعة بقرارى لخرق المعتاد و المألوف, و متحملة مسئولية جنانى تماماً....و مدركة أن ما من شىء يعادل سعادة أن تعمل ما تود فعلاً عمله و أن -العقل دا داء بيعيي فعلاً-....قد يكون الوزن ثقل بسبب الماء,و ما المشكلة؟فالروح خفيفة
رحلة تحت مطر مدينتى و بصحبة بلدى و شعبها كانت من أجمل و أغرب ما فعلته يوماً على الإطلاق...سألت نفسى و ماذا عن الصحبة البشرية؟
فأخذت أردد كلمات صلاح جاهين و غنوة محمد منير تحت المطر
إيديا فى جيوبى و قلبى طرب
سارح فى غربة بس مش مغترب
وحدى.....لكن ونسان و ماشى كدا
ببتعد,معرفش أو بقترب
و إلى أن تأتى النزلة المعوية أو يكملها ربنا بستره......سك عالموضوع
No comments:
Post a Comment