"أعرف أن ما لا أعرف سيكون دوماً أجمل ! فلا أحزن على فوات ما أعرف !
يبقى ما هو حقيقى أفضل بمراحل مما هو متوقع "
أصبحت على يقين من ذلك على مدار الأيام السابقة ..
و ككل الأشياء الجميلة , جاء ذلك اليوم بلا توقع و لا تخطيط منى ..
وجدتنى هناك .. و كفى ..
تلك اللحظات التى تتمنى لو أن الزمان يتوقف عندها إلى الأبد ..
لو أن فى وسعك أن تأخذ منها نسخة و تحملها فى قلبك دوماً لتتمكن من استرجاعها بين الحين و الحين ..
#الأماكن
أقترحت صديقتى أن نذهب فى العطلة إلى القاهرة مع رحلة للجامعة , برنامج الرحلة سور الأزبكية , مسجد الحسين , و الجامع الأزهر .. ليوم واحد و نعود إلى هنا ..
ماطلت كثيراً قبل أن أصل إلى قرار حاسم -كعادتى- و رميت كل الحمل على الظروف علها تدبر ما لا أستطيع تدبيره ..
فى الحقيقة , كنت خائفة ..
أعلم أن الأماكن تخبر من يصغى لها بالكثير ..
هل أنا على استعداد أن أستمع لحكايات المكان ؟ بلا سابق توقعات / شروط ؟! لست أدرى ..
و أضيف إلى ذلك أنها ستكون زيارتى الأولى لكل هذه الأماكن ..
أن تذهب إلى مقهاك المفضل فتلتقى بشخص و يصبح كل منكم للآخر صديق فى بعض دقائق , هذا ما يحتمل حدوثه مع مكان ما فى زيارتك الأولى له , فقط لو استمعت ..
الأماكن كالأشخاص , بعضها يحتويك و بعضها يطردك ..
بعضها وطن , و بعضها غربة فوق اغترابنا القديم ..
و حديثها بعضه صريح , و بعضه لا يخلو من تلميح تعول على اجتهادك فى فهمه ..
فهل أنتِ على استعداد للاستماع لحكايات الأزهر و الحسين ؟!
#خط_فاصل
جاءت الرياح بما لا تعرف السفن هل تشتهيه أم لا ,, و وجدت نفسى هناك ..
على طرفى ال"مسطرة" , تجد القاهرة فى طرف و الإسكندرية فى الآخر ..
من تربى هنا لا تناسب روحه حياة هناك , و بالعكس ..
القاهرة مدينة مزدحمة , خانقة , يعلوا كل شىء فيها التراب , لا ابتسامات , لا ضحكات , هواها ثقيل , و أناسها تائهون فى ضغط حياة العاصمة ..
و لقد قضيت قسطاً طويلاً من عامى هذا أبحث عن "الخطوط الفاصلة" بين كل شىء و نقيضه ..
وجدت واحداً ظاهراً جلياً , بلا تعويل على البصيرة ..
أسوار المسجد الأزهر ..
فاصل ما بين ما بداخلها و ما بخارجها ..
يفصل عالمين عن بعضهما البعض !
#ساحة_الأزهر
تعبر البوابة الضيقة , لتجد نفسك فى ساحة مهيبة واسعة , براح يحتويك من كل جانب , سماء فوقك , و نسمات نور و لطف و رحمة تحيط بك من كل جانب ..
خطوات واثبة فى البداية عبرت بها البوابة , ثم خطوات متثاقلة أمام هيبة المكان ..
ثم وقوف , تبعه جلوس فى الساحة بلا كلمة واحدة ..
مر كل شىء بمنتهى التلقائية , حتى الدموع انهمرت بلا سبب , بلا داعى ..
لست ممن تجيد دموعهم التعبير عما فى داخلهم , و لست ممن يلجأون لها عادة , إلا أنها هذه المرة هى التى لجأت لى , ربما شعرت بهول الموقف و قدرت أنى فى حاجة إلى مساعدة ! انعقد اللسان , و توقف العقل عن أى تفكير ..
و تتابعت دقات القلب .. و أشعر بنورغامض , هناك تأكدت أنه وحده القلب قادر على إحتواء الله , وحده , مهما بلغ العقل من التدبر و التفكر و الحكمة , وحده فى لحظة نور يهرع إلى محرابه , يمكث هناك , يهرب من صاحبه , من الناس , من الأفكار , من كل شىء .. و يتوجه بصدق لله وحده بغير قيود ..
فيم كان الخوف ؟
و كل شىء يشى بسلام و سكينة و احتواء ..
تشعر أنك نقطة فى هذا المحيط الزاهى , و ترضى بذلك أشد الرضا ..
أمر بعينى على كل تفصيلة , كل قنديل , كل عامود , كل لافتة , كل رواق , كل مكان ..
"الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور "
"و من لم يجعل الله له نوراً فماله من نور"
كتبت على القناديل , يمتزج الضوء فى القلب بأضواء الساحة فى لحظة رفع أذان المغرب , بلا مقدمات أيضاً , تنهمر الدموع من جديد ..
و تسبح رب واحد قادر على أن يوحد كل شىء فى تفصيلة زمنية و مكانية بارعة الإتقان و يعيد توجيه هذه المبعثرات فى انسيابية إلى وجهته وحده ..
لم يتمكن منى مكان من قبل إلى هذه الدرجة ..
كانت زياتى الأولى , و لكنى شعرت أنى أعود إلى أرض أعرفها جيداً , بل كنت أعلم أن العودة تأخرت ..
رأيته من قبل ..رأيته فى عيون عماد عفت ..
رأيته فى منامى ..
رأيته فى أفكارى و وسط أحلام المستقبل ..
و رأيتنى معهم أجلس مع شيخى فى حلقات , يجمعنى به و بالمكان العلم ..
كان كما رأيته , بل أجمل بكثير ..
للجمال قدرة مبهرة على تطهير الروح ..
#عماد_عفت
أن تحيا فى مكان ..
و يشكل منك المكان جزءاً كبيراً و تضيف أنت لوجدان المكان روح جديدة ..
أن تقضى حياتك فيه , و الحياة غير المعيشة ..
و أن تصبح من الذين يَحيون و من بعد حياتك من الذين يُحيون الكثير فى نفوس البشر ..
أن تشهده على مماتك , و أن تمر به جثماناً كما مررت به و أنت تنبض بالحياة ..
و أن تقترن أنت بمكانك فى ذاكرة أناس لم تعرفهم و لن تلتقِ بهم ..
كانت روحه تحيط كل شىء هناك , أتذكر جنازته المهيبة فى هذه الساحة , أتذكر الهتاف , و أتساءل , فى أى ركن كان يقرأ القرآن ؟ و أى موضع كان المفضل لديه ؟ و أين صلى ؟ و كيف اجتمع بتلاميذه ؟ و ماذا ترك لهم ؟
قطعت أفكارى جنازة تمر بالساحة , و ذهبنا لأداء صلاة الجنازة ..
دعوت للمتوفاة كثيراً , جعلها الله سبباً فى أن تصالحنى على فكرة "الموت" ..
إنها الحياة .. تبدأ لتنتهى !
#الرفقة
من بين كل البشر ينعم علينا المولى برفاق الدرب ..
و من بين رفاق الدرب يحيطنا الله بهؤلاء "أصحاب الحضور الخفيف" ..
صحبتهم رفقة و خلوة فى آن واحد ..
لا يفصلون بينك و بين نفسك , بل يعينوك عليها و يأخذون بيدك إليها فى رحلة تعارف جديدة فى حضورهم ..
هم الجزء الأجمل من كل لحظة , و التفصيلة الأهم فى كل لوحة جمالية ..
و هم من يحتفظون لأنفسهم بمنزلة (الجزء) من (الكل) بكل تراضى ..
كل شىء معهم ..موصول بهم ..
كانت هذه الرفقة هى الأنسب لهذه اللحظات ..
#غياب
الغياب .. كلمة أصبحت آلفها ..
بعض الغياب .. يكسر فى الروح شيئاً ..
بعض الغياب .. يتركك "بهتان" , و "مطفى " .. بلا روح ..
رغم ألمه , أفضل النوع الثانى .. يشى بأن حضور هؤلاء الغائبون ألوان و حياة رغم كل شىء ..
لا يدهشنى تواجد الحضور , بل تواجد الغائبين ..
و لا أندهش من السؤال : هل من سبيل للحضور ؟ بل أندهش لإجابة واحدة .. يا ريت ..
أتذكر الثنائى إياه , جلال الدين الرومى و شمس التبريزى ..
و لا أندهش أن تود حضور أحدهم ..
بل أندهش حينما تود الذهاب إليه ..
و إذا كان للغائب الحضور , فلا تدهشنى الصحبة ..
بل أندهش حينما يكون هذا الحضور المجازى , أقرب إلى ... رفقة !
و الفرق كبير ..
"حياتك
حافلة , مليئة , كاملة , أو هكذا يخيل إليك , حتى يظهر فيها شخص يجعلك
تدرك ما كنت تفقده طوال هذا الوقت . مثل مرآة تعكس الغائب لا الحاضر , تريك
الفراغ فى روحك , الفراغ الذى كنت تقاوم رؤيته .المهم هو أن تعثر على
الروح التى تكمل روحك , فقد قدم الأنبياء جميعاً النصيحة ذاتها : جد الشخص
الذى سيكون مرآتك "
أنعم الله علىّ بالكثير من المرايات .. لله الحمد ..
#على_الطريق
"تكتسب الأماكن فجأة معنى جديداً حين تتعرف على
حكاياتها، ربما ليست الحكاية الكاملة ولكن ومضة من الحكاية، جانباً منها
يُضئ المكان فجأة فتراه ولم تكن تراه وتدركه، وحين تدركه وتعرفه يملكك بحق
الحيّز الذي يشغله في عقلك ومخيّلتك، باختصار، بحق إسهامه في تكوينك
واستقبالك لهذا الوجود "
هكذا كان المرور على ماسبيرو , نادى الحرس الجمهورى , المتحف المصرى , مداخل التحرير ..
لا قيمة لكل هذه الأماكن , لولا الدماء التى سالت عليها ..
أتسائل , كم شخصاً من المرور يستشعر ذلك ؟
فأجد أحد رفقاء الرحلة يدندن : بندعيلكوا ...=)
"يا شايلينكوا على الاكتاف
بننعى دمكم بهتاف
و ندعيلكوا
غموس الناس و عيشها الحاف
بيدعيلكوا
و درس العربى ف الأرياف
بيدعيلكوا
و كل جنية زيادة ف جيب
موظف هيئة الإنتاج
و ابنى اللى ف علم الغيب
و أمى اللى حتلقى علاج
و أرض المعتقل لما
حتفضى.. أكيد حتدعيلكوا
و كل ظلومة ما اتظلمتش
و كلمة حق ما اتكتمتش
و كل قلم نِقِص ف القسم
و كل علامة مش ف الجسم
بتدعى لكل وش و إسم
من اللى عندكم ...منا
يجوز حيكونوا من جيلنا
يجوز حيكونوا أولادنا
يجوز حيكونوا م الاتنين
لكن ندرن عليا و دين
لا تيجى عيالنا تشبهكوا
تبوس على رجل أصغر شاب
و ترفع رايته زى ما حب
و تحفظ صم أساميكوا
و من آخر نفر فيكوا
لأولكوا
حتدعيلكوا"
زرنا الأزهر ..
ليتنا أينما نزرع .. نزهر ..
مر اليوم , و لم يمر..
توقف الزمن عند هذه اللحظات ..
كان طريق العودة ساكناً صامتاً مثلنا ..
لا يقطع السكون إلا صوت المسجل , تنطلق منه الكلمات الأنسب ..
"أمر على الأبواب من غير حاجة , لعلى أراكم , أو أرى من يراكم , سقانى الغرام كأساً من الحب صافياً , يا ليته ..لما سقانى سقاكم "
يا ليته لما سقانى سقاكم :)