Sunday, September 27, 2015

مزامير

- 1 -
"رمز الماضي"

عادة ما تكون فكرة التقليب في القديم من الكتابات مربكة، عادة ما يحمل المرء قلق بسبب لقاء عابر مع صديق قديم، عادة ما نخشى زيارة أماكن كان لنا فيها أياماً، للماضي هيبته دوماً فهو يأتيك محملاً باحتمالات "المفاجآت" اللامتناهية! يضعك أمام صورة ما قديمة وأخرى أحدث منها لنفسك أو للآخرين -وربما لا تكون مستعداً لاستقبال ذلك أو مجرد التفكير فيه-.

الأمر ليس بهذا السوء في الواقع، أقضي بعض الوقت خلال أجازتي في التقليب في بعض الكتابات والصور، أقابل بعض الأصدقاء كذلك، ولا أخشى بدايات الحديث مع من هم أقدم منهم عهداً بحكم "المناسبات الاجتماعية والدينية".

أعتقد أن المقارنة في صالحي ..

أرى اختلافاً كبيراً، لم أعد أرى ضحكتي ببهتانها القديم، الألوان أزهي مما كانت تبدو عليه، الزحام لا يربكني بل أشعر معه ببعض الدفء، والجديد من الأماكن لم يعد جديداً بعد عام من الذكريات والحكايات والعلاقات ..

التجربة لم تكن مرعبة، والنجاة منها كان ليكون أسوأ اختيار على الإطلاق ..

تحررت بالتدريج من ثقل الكثير من التراكمات والتجارب، واستنزف بعضها كل الألم حتى أن أشعر أنه ما عاد في مقدوري أن أتألم لأي شىء قط -محض هراء طبعاً، تثبت الحياة بين الوقت والآخر العكس- ولكني أعلم علم اليقين أن الله يمنح منه القدرة على تجاوزه ..
فانتازيا وجود الكثير من التواريخ الهامة في حياتك -السفر، العمل، التجاوز، القرارات ...-، وسحر تزيين دفتر التواريخ بحكايا أشخاص لبعضهم أثر الخفة من المرور ولآخرين أثر أكثر عمقاً، زخم الانتقالات الكبيرة والخطوات الكبيرة والتغيرات الكبيرة .. وتمني أن يكون هناك دوماً الوقت لنقف ونسأل ونتأمل كل ذلك ..

ربما "عقدة الوقت" هي الوحيدة التي لم أتنصل منها حتى الآن .. "الوقت مش دايماً معاك"، آخري في التطبيع معه وصل أن أدرك أنه "مش ضدي برضه .. "

أقدر دوماً هذا الكم من التجارب التي نمر بها فيشكلنا، ثم يعيد تشكيلنا، ويعيد تعريفنا لثوابتنا، ويبلور بعض الأفكار ويطرد آخرى .. هذه الديناميكية الصحية بالتأكيد التي نكون بعدها من نحن عليه، مهما كان ذلك مرهقاً ومهما كان مؤلماً ..

معترك الحياة لا يمر بدون خسائر بالطبع، قديم عهد بتصالح مع "الترك" يغلب بعض الرغبة في "التمسك"، وقديم عهد من الرشد يبث في المرء طاقة وزن الأمور وتقييمها بين الحين والآخر ..

وأهو كله على الله ..

(مواعيد مواعيد، كله بميعاد .. فرقتنا موت ولقانا ميلاد ..
قلبي يا غريب الخطوة نصيب، الفرح قريب ..يا نغم ولاد .. )



-2-

في مكتبي وأمام ناظري لوحة كتب عليها "اللي يعيش ياما يشوف واللي يمشي يشوف أكتر" .. أراها يومياً لما يقارب العام، اتأملها أحياناً وأعتبرها جزءاً من الديكور في أحيان أخرى .. ولكن فرصة أن "أعيشها" لم تسنح قبل هذا العام ..
بين محافظات مختلفة: القاهرة - كفر الدوار -إسكندرية - السويس -كفر الشيخ 
وبلاد مختلفة: مصر - الأردن - اليونان
واستقرار في أماكن مختلفة بين القاهرة والإسكندرية
وبالطبع ناس مختلفة!
بين ذلك كله ورغم ذلك كله -مع التحفظ على عدم تعريف "كله"- لا أعلم بعد السبعة فوائد المذكورة للسفر ولكني أعلم تحديداً فوائد لم تكن أبداً في الحسبان لم تتشكل بعد، ولكن بقرب "النهايات المجازية" ربما تتبلور الأمور ..

فلله الحمد

(دة أنا واد خيال عاشق الترحال على قد الحال ..
لكن ميال ..)


- 3 -

الإغراق والاستغراق وسنينهم ..
ذلك التطرف القديم والانحياز للعقل، وتدريب الشعور دوماً على التفكير الهادىء قبل البوح انضم له تطرف آخر خاصة "بالعملية"، ضفه إلى الشعور بنفاذ الوقت طوال الوقت -هع- نشكل صورة لفيلم عربي قديم تقوم بطلته بالجري دوماً من شىء ما أو إلي شىء ما مع نفاذ القدرة على التقاط الأنفاس في أغلب الوقت، واحتمالات فقد الاتزان المرجحة بشدة تظهر بين الحين والآخر .. في الممشي الكثير من الأشياء التي تستحق الوقوف .. ربما كان الجمال هناك، ربما كان الصدق هناك، ربما كان الثبات هناك .. فلم السعي لآخر؟
تقف لثواني ..
تتذكر كم تكره المؤجلات وكم تخشي الوقت ..

(الصبر سبيل .. الخطوة طريق )



- 4 -

" ربنا خلق الكون ب16 تيما، من أول خلق قابيل وهابيل لحد ما الدنيا ما هتخلص هتفضل دي تيمات الحب والصراع والنزاع والعلاقات وكل حاجة ، مفيش تيما 17 .."
والبني آدمين واحدة والصراعات متشابهة والرحلة -قد تكون- كما قالت صديقتي بالأمس "فردية"

(فرحنا تساهيل ..)



- 5 -

لهم، لبعض الظل في يد الصمد .. -أحرف عوضاً عن الأسماء-

لقدرتها على إلهامي دوماً باتزانها وثباتها على أرضيتها الصلبة وإن كانت تعيش في منطقة زلازل/ ص.
لقدرته على أن يقول للحلو يا حلو في عيونه، ولأن يعترف لكل شخص بفضله/ ي.
لشعوري نحوهما بالمسئولية والأمومة، لغبطتي لهم على سرعة تجاوزهم للقديم من المراحل ولإشفاقي عليهم مما قد يكون قادم، لثقتي دوماً فيهما ومعرفتي اليقينية بأنهما سيكونا يوماً -اللي على مزاجهم-، لخفة حضورهما وانسيابية التلاقي رغم ابتعاد المسافات/ ر. وم.
لجنونها وانطلاقها وللخلاط الذي تحيا فيه دوماً ولعشوائية أفكارها وشعورها./ س.
لصدقها وجمال نظرتها للأمور وهدوءها المشل أحياناً لمن هم مثلي. / أ.
لصراحته وصراعاته بين القبح والجمال، ولقدرته دوماً على أن يذيل كل الصراعات بـ"يلا يلعن أبوهم ولاد كلب"./ ع.
لصحبة المشي والضحك والتواصل الخفيف، لسرعة تقبل تغيره من مكان لآخر مع الحفاظ الدائم عليه./ هـ.
للعقل والصبر والإصغاء والانتصارات الصغيرة والثورات الكبيرة عنده الصغيرة عند الكوكب./ جـ.
لـ"كوبري عباس" ووقفته معه كفاصل بين وسط البلد والجيزة، ولما يكون في ذلك دوماً من حوارات صادقة./ بـ.
لاتساقه مع نفسه، ولانتزاعه الحق في الاحترام من كل من يختلف معه ولخفة الصحبة وذكاء فهم الآخرين واانسيابية. /أ.
للدايت اللي عمره ما بيكمل معاها، وللاتنين كيلو بس الزيادة، وللبساطة. /أ.
للنضج الأربعيني في البدري، لتصرفات شكر نعمة الله وعمل من الصالح ما يرضاه بعد النضج. /ع. وم.
لإعادة اكتشافي لهما التي بدأت في وسائل المواصلات على سفر ولصدقهما. /أ. وح.
لغموضه وحيرتنا فيه، وظهوره المبكر وتأكيده عليه خلال الوقت، لصاحب العقل الأوحد القادر على إبهاري وللسؤال الدائم معه:"الحب حلم وبس ولا بصحيح؟" ./ أ.
لعنف اللقاء الأول، ولانسيابية اللقاء الثاني، ولاختياره فاصل زمني كافٍ بينهما لابتلاع الخضة./ ش.
لأثر وعنف الصدمات المتجلي في كل جوانب حياته./ إ.
لحضورها دوماً الخفيف المعطر برائحة الريحان. / ع.
لجمال نضجها، ورقي روحها، وزمزقتها الطفولية. / ن.
لها ولما كنا عليه، ولأمل العودة. /أ.
لتفاهة أو عادية الآخرين أو قدرتي المبهرة دوماً على التسقيط.


خلفية موسيقية مقترحة: قلبي مزامير / محمد منير

https://soundcloud.com/mohamed-kamilao/vljhku28behu

اللوحات: فان جوخ

Saturday, April 4, 2015

سقفيات

- 1 - 

"إذا وقفت هناك ..
وبلغت مناك ..
ووضعت يداك على الشباك ..
سلم لى عالنبى .. "

وكالة الغوري / المولد النبوي الشريف

- 2 -
ارفق اللهم بالحيارى والتائهين وفاقدي الدروب، والسائرين عليه بلا وجهة واضحة، والسائرين المحملين بثقل التراكمات، والمتردين والمتمردين والمنغمسين في كل ما يحيد عن التوازن ..

- 3 - 
معيتك / وغناك عمن سواك ..
"كل الخلائق ظل فى يد الصمد" 

- 4 -
ونحن نربي الأمل، ونربي العزم، ونربي أنفسنا، ونحن نحيي أياماً طوالاً وليالي ممتدة موصولة بالنهار، ونحن نرجو، وننسى، ونغفل، ونعود، نتوقف، نستوعب، نكد ..فنرجو ونفتر!

ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً ..
ونحن نحب الله، ونحبنا حين نتمسك بالدرب ..
ونحن نحب الحياة أكثر إذ تجود ببعض السكينة ..
ولو كان لها بعض الوضوح ..لأحببناها أكثر وأكثر ..
ولكن .. نحن ، لا نحب الأمور البسيطة ! 
ربما!

ولكن تذكرى يا صغيرة أن الأصل في الأشياء -ما زال- فى البساطة ..
أن الناس حلوة، وأن الزهد خفة، وأن الخفة نور، وأن للنور المسعى، وحده ..
ألا تستبعدي أى احتمال، ألا تتسرعي ولا تقولبين المشاعر والبشر ..
ما زالت الأيام قادرة على أن تدهشك ! 
ما زلت صغيرة ما دمت لم تفقدى القدرة على الاندهاش ..
ما زال هناك الكثير ما دمت فيك هذه القدرة على الخفة والرضا والسعادة ..
الله أوسع من ضيقنا ..
والخط الزمني الممتد يتسع لقصصنا وقصص آخرين ..
والتصنيفات أرحب من أن تضيق بساكنيها أو أن ترفض ما لفظه بند ما، يسعه بند آخر ..
والأرواح جنود وللجنود أسرار، وبعض الحروب ناعمة بالضرورة ..

قلتِ يوماً من قبل: حاسة إنى بكبر فى اليوم 100 يوم ..
فقال أحدهم: لما تكبرى فى اليوم يوم واحد بس هتكونى كبرتى فعلاً ..

وقد صدق ..
فالروح أخف، والجروح تطيب ولا نريد لها قصاصاً، والشغف يتبلور، والقادم يظهر بوضوح أحياناً ..



- 5 -
أتعلم يا صديق أن أكثر ما أكره فى هؤلاء المستبدين تجاهلهم للوقت ؟!
لا تقدير للوقت عند هؤلاء ..
الوقت الذي يفرق الأحبة ..
الوقت الذي يلم الشمل ..
الوقت الذي يمر مشكلاً حياة كاملة نحياها جميعاً مستأصلاً منها عضو بشرى حجبوه عنا! 
الوقت الذى بطوله ينشأ معه التعود، ويجعلنا أميل للتطبيع مع الانكسارات..
فتنقلب الموازين ..
إذا كانوا لا يعرفون الوقت، فهم حتماً لا يعرفون الحب ..
والوقت والحب رفيقان، نوع الرفقة الكاشف، الساند والداعم ..
 الحقيقي دوماً ..
حين ينحاز الصديق للحقيقة حتى ولو على حساب صديقه -بالشكل الضيق- ..
الوقت يعطي الحب فرصة للنضج ..
الوقت يعطي الحب فرصة التراجع ..
الوقت يعطي الحب فرصة التجاهل ..
يعطيه فرصة دائمة لإعادة التقييم ولا ينصفه، إلا إذا كان صادقاً ..

الوقت والروح من أسرار الله في كونه، لا منطق يحكمهما! 
كلاهما مهيب .. وتجلياتهما لها من الجلال والجمال الكثير ..

بمرور الوقت وبالحركة نتكون، نتشكل، نصبح للحقيق أقرب خطوة -وهم لا يبالون بالحقائق- لا لأنا أوشكنا على الوصول بل لأنا نكون بالتدريج مفهوماً واضحاً عن الأكاذيب، عن الباطل، عن كل ما لا نريد،عنهم يعني!

أكرههم، وألومنا أحياناً ..

كان الحدث يا عزيزي جلل، والأثر عميق ..
والقصة التي لم تكن أبداً تخلو من المنطق في التصور والربط والتحليل، كانت كذلك عاطفية بامتياز، كانت كحلم عابر شديد القرب، ربما لذلك أتراجع عن لومنا كوننا تعاملنا مع الأمور بتصورات رومانسية لا تشبه الواقع، فلأن العام الحتم بالخاص فشكل لنا حياة لا ننجح فى فصلها عنه، كان له من نصيب حياتنا .. وكان لنا من نصيب موته!

الثورة بكل ما فيها تصلح لفكرة مجردة تقع فى غرامها، تعيد ترتيب حياتك لأجلها، الثورة كحلم بعيد المنال يزرع حياتك بين حد الممكن وحد المستحيل ليجعلها ملحمية -ومن منا لا يلتمس بعض البطولة؟! - ،الثورة في عنفها وعنفوانها، في فرحات الانتصارات المؤقتة العابرة، وفي حتى خذلاناتها وخيباتها المتكررة! في كونك تتحرك بسرعة وبلا قدرة على التوقع من معسكر إلى آخر..
قلة / كثرة / قلة ... وهكذا دواليك ..
أنت الملهم والقائد والمعلم، وأنت المخذول من الجميع، أنت المظلوم وقد تكون غداً ظالماً .. -هون عليك، جميعنا قد نكون، فلا ضمانات - 
وأنت لم تكن إلا .. ثائراً ! 
نحب الفكرة "الثورة" قدر حب القيم في جمالها وتجردها وبساطتها حين نتخيلها بلا تنظير لكيفية تحقيقها على الأرض ..
العدل / الحرية / الحق ..
الحياة / الجمال / الحب ..
مسارات مدهشة ومغرية لا تنجح في مقاومتها!
فلذا قيل فيما قيل " بشروا بالحب والثورة" وأقول: واحترموا فعل الوقت ..


Tuesday, August 19, 2014

تجليات رمضانية

27/7/2014
ليلة 29 رمضان

فى مثل هذه الليالى تحديداً يفتح الباب, يجتهد المجتهدون,يسعى الكل ,و لكل دوافعه ..
الساحة مليئة بالمتنافسين ,تَرفع الطلاب, تُرفع الأعمال ..
تعلو الدعوات ,تغير الأقدار ,تتحول حيوات البعض ,عفو و مغفرة و بوادر تغيير ..
تلح على فكرة الكتابة إلى الله منذ مدة, ربما لأن اللسان انعقد و امتدت عقدته لتشمل الدعاء ,و ربما من باب الحنين لفترة "و بكلم ربنا طول الوقت" ..ربما تعويلاً على الكتابة فى استخراج مكنونات النفس التى لا يسمح إيقاع الحياة السريع أحياناً فى اكتشافها ..

ثلاثة أعوام يا الله ,بداية جديدة معك ..
كم كنت كريماً و عطوفاً علينا حينما فتحت لنا أبواب الخير كله ..
أعطيتنا الصحبة و المحبة الصادقة ..
أنعمت علينا بسندك ..
علمتنا و دبرت لنا فى إحكام شديد ..
و تفضلت بتبيان حكمة تدبيرك ..
تعرفنا على أنفسنا ..
تتجلى يا الله فى كل شىء ..
نحجب عنك لسوء فى النفوس فتعود تتجلى من جديد لتحيى فينا الأمل ..
هديتنا سبلك ..
شكلت بيننا و بينك خبرات ربانية رسخت فينا يقيناً و رضا و محبة لكيانك ..
علمتنا بكل الأدوات ..
قطعتنا عن الكل لتوصلنا بك ..
و وصلتنا بك فاكتفينا ..
أغنيتنا بفضلك ..
أدهشتنا بتدبيرك ..
آمنتنا بإحاطتك ..
علمتنا بحكمتك ..
آزرتنا بعدلك ..
و دوماً ..آويتنا إليك ..

لا رغبة فى أكثر من ذلك لو لم تكن أنت الجواد الكريم ..
و لا أكثر من ذلك إلا المزيد من كرمك ..
يا رب ..
بك ,نستدل عليك ..
لنا أنفس لا ترقى لأن تكون موضع نظرك ..
بنا من كل الأمراض و الأهواء ..
لنا عقول لا رشد فيها و لا علم ..
و لنا من الطرق دوماً ما هو حلزونى و ملتو و كاذب ,لا استقامة فيه!
يا رب ,عجزت عن إدراكك و العجز عن الإدراك ..إدراك ..
آمنت بك شعوراً و عقلاً و أيقنتنى بفضلك فى وجودك ,و باليقين فيك طردت من القلب الوحشة فى الدنيا ..
يا رب ,أنا بعد لا أدرك كونك ,و لا دورنا جميعاً فيه !
أثق و لا أعلم ..
يا رب ..لا أجد سبيلاً ..
يا رب ..لا أجد درباً أتربى به علّى أعرفك بحق ..
يا رب ..استبد بنا هذا التيه !
و تلك المعارف التى لم تترجم يوماً إلى عمل !
و نقص العلم و الإيمان المكبل للروح ,المانع لها من الانطلاق فى معرفتك ..
يا رب ..
لو نعبدك حق عبادتك ..
لو نكن فى الأرض خلفاء ..
لو يكن لنا من صفات من تورثهم أرضك ..
يا رب ,لا نحب الظلم و لا الفجور ..
و لا نحب التيه أيضاً !
و لا نحب الضبابية ..
و لا نرضى بغياب الاجتهاد لتفهم مقاصدك ..
يل رب ,دلنا على مرادك ..
عرفنا عليك ..
اهدنا سبلك ..
دبر لنا ,و ارضنا..
يا رب ,باباً و طريقاً و نوراً ..
يا رب استخدمنا و لا استخلفنا و مكن لنا و لا تستبدلنا ..
يا رب ,كن أنت الصاحب فى هذا السفر الطويل المرهق ..سفر الحياة ..
يا رب, كن أنت المؤنس فى الغربة..
يا رب, كن أنت المربى و المعلم ..
يا رب , استخلصنا لنفسك و لا تجعل لنا فيك شركاء ..
يا رب , اجعلنا ربانيين صلاحاً و إصلاحاً ..
يا رب,اغفر و ارحم و أنت خير الراحمين ..
يا رب ..
يا رب ..
يا رب ..
اللهم يا مبدل الأحوال ,بدل حالنا إلى أحسن حال ..

"مما وجدت من مكتوبات رمضان 2014 " :)

Sunday, August 17, 2014

آخر أيام الصيفية

كان الطريق طويلاً و ممتداً و كأنه بلا نهاية ..
كانت السيارة مرتبكة الخطى تسير مسرعة أحياناً و تستحث خطاها فى أحيان أخرى ..
كان البحر عكراً ,غضبان, مابيضحكش  ..
كنا نستمع إلى منير بينما ينشد "هون يا ليل " و يبشر بـ"الدنيا اللى جاية" ..
كان الليل طويلاً جداً جداً ,أطول حتى من الدرب ذاته ..
بدا غير لائق أن نخاطبه و نسأل منه التهوين ..
بدا غير منطقى أن نستودع الليل الأحبة ..
بدا كلاسيكياً جداً أن نطلب من "الغربة" أن "تحاسب" على الرفقاء ..
بدا نبيلاً للغاية ان نستبدل ضحكاتنا بدموعهم ..
هل يا ترى ينجح "نسيم الأطباء" أو "شال الهوى" فى حل تلك المعضلات ..

كانت الأغنية العاشرة لمنير, بينما علقت على جميع الأغانى التى سبقها ..
و قلت فى حق الكينج الكثير,أهمها أنه "ضلالى" =D
استمعت له هذه المرة, و طلبت منهم أن يعيدوا الغنوة من جديد ..

هناك, فى بلازا المكتبة ,غنت "دينا الوديدى .. "
عن الليل أيضاً ..
"الليل بيسبق رجفة البردان

والدنيا تشتي فوق جبينه ورود

وناس تلاقي بعضها بأحضان

وناس تودّع حضنها بشرود

....

ريحة اللي كان على طرف موّالي

ريحة اللي كان .. كان غالي

يا ليل يا عين يا شمس مالها شروق

يا عين يا ليل يا حتة من بالي

سهران عليك يا صبح متأخر

مستنّي شوفه أول الجايّات

حينما استمعنا إلى هذه االغنوة لأول مرة فى حفلة مارس 2013 ,نظرنا لبعضنا البعض فى صمت حين قالت "مستنى شوفة أول الجايات" ,اليوم الجمع ذاته يبدل بعضه بعضاً بالنظرات ذاتها ,معلقين بسخرية : "طب و الجايات بتيجى؟ " /"لأ ,بنستنى بس .. " /قال أخر :بطلنا نستنى .. و سكت آخر ناظراً إلى السماء داعياً إياى إلى أن أبحث معه عن "نجمة" :) ,هكذا كان يهرب حينما تدفع به الكلمات إلى مناطق لا يريدها لفرط علمه بها ,هكذا بحثنا عن النجمة ذاتها و هى تشدو : 
"و اللى كلامه جميل ,لكن بفعله قليل ..
يا يغنى فى المواويل ,يا يفوق و يسمع لها ..
و اللى حياته سراب ,و زمانه كان كداب ..
يا يعدى باب ورا بعض ,يا يموت تعيس وسطها .. "

و نظرنا لبعضنا البعض فى صمت حينما غنت عن دين الجدعنة ,دين رفاق الدرب ,الجثث المجهولة فى المشرحة و الأسر,عن الخذلان الذى لا تقبل له توبة ! عن تلك الدائرة التى بدأت و لا نعرف كيف لنا أن ننهيها ..و عن الدائرين فيها أملاً و حيرة بحثاً عن المجهول ..
"و أدين من ساب على الأسفلت أخواته مقتولة ..
و أقوله التوبة مقبولة إلا فى وقت الحرب ! "
نظرنا نظرات تحمل الكثير ,و بحثنا عن النجوم ,و بحثنا فى وجوه بعضنا البعض عن الحقيقة, عن طمأنينة لا سبيل لها ,عن دموع جعلت كل منا فى عين الآخر مهزوزاً أكثر!
و صمتنا ,عل الوجوه تتحادث ..

تطلع علينا تدعي وتبخّر

ده الغالي راح

واللي اشتراه أهو باع.."

خسارات /خسارات/خسارات ..
"لو كانوا سابوا الحاجات تصبح حاجات بصحيح" !
الكورال : لو ..! =D 

"جايز مكنش الألم يملى القلوب و العيون ..
جايز مكنش الوجع عشش نواحى الجنوب .." 
قلنا :جايز! 

ثم سابقت أحداهن الترتيب و قالت :السؤال الجاى ليكى ..
"حبيبتى أرضى سألتك و الكف صارت يا دوب! 
ازاى نلم الوجع و نخف حزن الجنوب .."
قلت بتناكة المحتاسين :مش هدف .. 

"لو كانوا سابوا العيال تخلى الثمار من الخوف ..
كنا اهتدينا يا ناس و فهمنا بالمعروف ..
و عرفنا من الأهوال إزاى نبطل هروب.
و ازاى نلم الوجع و نخف حزن الجنوب. "
قلنا : لو ..

ليلة أخرى ,الصدق فيها كان كافٍ لأن يهون علينا احتمالية عدم تكرارها ..
مررنا من هنا يوماً ..
تحت السماء الواسعة التى لا تشبه قلوبنا الضائقة ..
فى الزحام الذى لم يهون الغربة ..
بجوار البحر العكر و الطريق الممتد ..

سلام على الأرواح الطيبة ..
سلام على الأيام الحلوة الشغوفة الرائقة التى مرت و التى ستأتى بعد ..
سلام على الباقين و الراحلين و المعلقين ..
سلام علينا ,أينما كنا ..
فنحن بحاجة إلى السلام ..


و السلام .. 

Thursday, June 19, 2014

طيف


كنت دائمة التساؤل عن المراحل التى يمر بها البشر فى حياتهم ,و ملت إلى أن أصدق أن الجميع يمر بالمراحل ذاتها يفترق الناس فى اختيار أى "الحالات" ستتمكن منهم و يشكل الفيصل الأكبر من أعمارهم و أيها ستمر مرور الكرام فى شكل "استثناءات" ..

أقول أن الجميع مر بمراحل من النور ,من تجاوز الحجب ,من السعى نحو الجمال و الكمال , ربما مرت الغالبية حتى ببوادر تاريخ نضالى و سعى نحو الحرية و العدل و الحق , ربما استغرقوا فى حب و انتهى ليعلنوا أن الحب "وهم" ,و ربما أنهكتهم قضايا حتى أصبحوا من المصدقين بأنها "نصباية" ..

الأزمة أن "خيبات الأمل" فى هذا المجتمع يطلق عليها أسماء أبعد ما تكون عن حقيقتها ,فينما يعتبر من خذله الإيمان نفسه ملحداً ,و يعتبر من خذلته الثورة نفسه "حكيماً " و يعتبر من خذله الحلم نفسه "واقعياً" ,و يبالغ آخرون فى تقدير ذواتهم التى خذلتهم فى كل ذلك بالتحقير أو "النفخ" ..بينما يحدث ذلك كله ,أحاول أن أحافظ على أن "اسمى الحاجات باسمها .. "حتى و إن كان المسمى لا يروق لى "الكدب ..و الخوف ..و الخيانة.. "

يبقى السؤال , هل يمكن تجاوز فاصل من النور كهذا ؟ حتى و لو كان فاصلاً جد قصير ..

ربما تجدد التساؤل لأنى لم أقترب من كتاب لمدة تزيد عن الشهر و نصف ,أنا من لازمتنى الكتب فى فرحى و حزنى ,فى تنقلاتى , فى رحلتى دوماً ..أبتعد عنها هذه الأيام بغير أن أفتقدها حتى ! حينما كان يخبرنى أبى و تخبرنى أمى أنهما أعتادا أن يكونا قارئين نهمين و انتهى بهما الحال بسبب "المشاغل" إلى مكتبة ضخمة لا يقترب منها سوى أطفال حديثوا عهد بالشغف ذاته ..فهل سألحق بهم يوماً ؟
أنا لا أجد غضاضة كذلك فى الابتعاد عن الكتابة لشهور طويلة ,أعود؟ ربما .. بفعل الحنين أم بفعل المحبة الصادقة ؟ أعود ..
و قس على ذلك ..

كتبت أحداهن اليوم : "أعطنى شغفاً صادقاً , و اتركنى وحدى.."
و من يضمن لى أن يبقى الشغف شغفاً دائماً , ربما كان "طيف" من شغف مر ..ليترك لنا الذكرى و التساؤل عن "الحقيقة" ..
مرت الكثير من الأطياف بنا , أطياف أفكار , أطياف إيمان ,أطياف مشاعر ,و أطياف بشر بقوا -على صعوبة ذلك- بشراً ..
و بقيت لنا التساؤلات دوماً .. 

فهل يكفينا من الأطياف صدق الإيمان بها و لو كان مرحلياً ؟! 
ربما ..

"أصون ودادى/شغفى أن يدنسه الهوى .. " 
18-6-2014
الواحدة صباحاً 

Saturday, March 1, 2014

مما كتبت

يحدث أن تستيقظ من نومك لتتخلص من خاطر يراودك و ترمى به بعيداً على الورق, يحدث أن تتكرر هذه المأساة بطول اليوم ..
تبقى الكتابة على قربها لقلبى مرهقة و موجعة فى كثير من الأحوال .. إلا أن "التوثيق" مهمة لا يجب التقصير فيها -كفانا تقصير- ,ربما يكون لهذه الحروف المبعثرة يوماً قيمة لا نعلمها , الله يعلمها .. ربما تفيد آخرين .. ربما يكون مجرد مشاهدة الأفكار و الخواطر على الأوراق باباً لتغيير ما ..
بين التدوينات , النوتات , ال Sticky notes , ال Memos, facebook ,twitter و غيرها تحاصرنى الكلمات ,لبعضها خصوصية و لأخرى حق المشاهدة و الاطلاع .. على قدر ما يحتاج المرء منا إلى مساحة ما تخصه وحده على قدر ما يمنحه شعور البوح و السماح للمقيد بالانطلاق براحاً ما , يمنحه ثقة و يثبت له جديته فى محاولات الاتساق و الصدق مع الذات ..لا أفهم محاولاتنا المستمرة لإيجاد نوافذ جديدة,هل يعكس ذلك تنوعاً ما فى أرواحنا لا يكفيه باباً واحداً للانطلاق من باب "ذو الوجهين منافق و ذو الوجه الواحد ميت " كما قال العقاد ,أم أنه كالعادة يعكس حياة افتراضية لا تمت للواقع بصلة و يعزز من انتفاخ الذات و يغرق المرء فى هروب وهمى و صراعات -و إن كانت حقيقية- لا يسعى لحلها!
فى كل الأحوال لا أشعر بفارق كبير بين الخاص و شبه العام , ليس من فرط الاتساق لا سامح الله, و لكن لأنى اعتدت الوقوف على هذه المسافة من الأحداث جميعها ,خطوة للوراء تمكنى من مشاهدة الصورة أوضح بشكل ما ,تعرفنى مكانى ,تجنبنى الاستغراق و تهزم الضبابية و لو لثوانٍ و بالتأكيد تغير النسب ,يعتبرون الحكيم من لا يفرح و لا يحزن ,و يعتبر الدين من علامات الإيمان أن يكون أمر المؤمن كله خير ,و أقر آخرون أن الشعور إذا ما كان "هوناً ما" كان ذلك باباً للفضل كبير .. لا نفكر بالطبع فى كل ذلك حينما ينادينا ال "Zoom out" و لا نفكر فى عكسه طبعاً إذا ما قررنا أن نقذف بكل هذه الآراء بعيداً لنشعر ..نشعر و السلام ..تبقى المسافة بين الفكر و الشعور من جانب و الواقع من جانب آخر جد بعيدة ..

يا أصدقائي: جرّبوا أن تقرؤوا كتابْ.. أن تكتبوا كتابْ ...
 أن تزرعوا الحروفَ، والرُّمانَ، والأعنابْ ...
أن تبحروا إلى بلادِ الثلجِ والضبابْ ...
فالناسُ يجهلونكم في خارجِ السردابْ ...
الناسُ يحسبونكم نوعاً من الذئابْ ...

ممَ كتبت ..
-1-
"أصبحنا و أصبح الملك لله"
وحده الله هو المستحق للذكر إذا ما ملأنا الحب و عصف بنا الحنين...بكل محبة تولّد رحمة أذكر كيان "رحيم" ترك لنا من كل رحمته جزءا ضئيلا نتشارك فيه، و يمنحنا السعادة أو الشقاء. .
كنت أقول أن كل إنسان يحتاج علاقة واحدة على الأقل صامتة ..حيث لا حاجة للحديث إذا ما نفذ الآخر إلى أعماق الروح، ما بالك بحاجتنا إلى من منه الروح بالأساس!
تعرف الأشياء بالضد، و تكتمل معرفتنا بها بكل "شبيه" ، يوضح لك كل فرع صورة ما عن الأصل... و إلى الله عاقبة الأمور و بداياتها !
ليس بعد التمتمة بحسبى الله و نعم الوكيل قلق، أخلد إلى النوم يوميا مكررة دعوة ارتعدت لها فرائصى من قبل :"اللهم إني أستودعتك كلى فاقض ما أنت قاض و أرضنى بقضاءك .." أترك الفضول ليطرح تساؤلاته عن أحلام الليلة و خواطر الصباح و أعرف أن النهايات ستحمل كل خير و رضا لى. ..
أنت أنت ..ﻷنك مستحق لأن تكون المتفرد بالحب و العبادة و الرجاء ...أنت أنت و كل شيء ما خلاك باطل ..أنت أنت ﻷنك ثابت وحيد فى عالم يعج بالنسبيات. .أنت أنت ﻷنك الخط الفاصل الواضح الوحيد بين كل الأضداد ..بك لا يصبح الرجاء تمنى ، و لا يكون القدر عبث، و يستمد الوجود معناه، بك نهتدى إلى الحق و عليك قصد السبيل و بك يتضح ..
حينها فقط سأستريح. .حين أكون قد خلصت من كل شيء و حين أوجه وجهى بحق نحو كل قبلة ترتضيها و حين يتطهر القلب ليستقبل نورك. .
قال أحد السالكين :"إن لم تكن الطاعة منى فعلا جزما فقد دامت محبة و عزما.." و أقول أنها دامت محبة حتى و إن خار العزم ..
محبة إليك خالصة يا الله و لا أبالى إن كانت المحبة قاتلة ..فبعض القتل حياة و شهادة. .
الطريق إليك آمن..
-2-
ما الذى يجعل الأماكن تكتسب مكانتها عندنا غير الذكريات؟ الذكريات التى تظن أنها هينة، لا أهمية لها ... تشعر فقط بها حين تهم بالرحيل .. كل التفاصيل التي لم تلقى لها بالا تكتسى برونق ساحر فجأة .. جوهره الحنين و الألم .. ربما لم تكن يوما ذكريات مفرحة فما الذى يجعل غيابها مؤلما؟
ربما التساؤل عما يحمله "الجديد" لك هو الذى يجعلك تلتفت للنظر لقديمك؟ ربما يكون خوف مقنع يظهر بهذه الصورة ليخبىء حدة سؤال جديد يلوح فى الأفق ..

غدا .. ننتقل إلى "مكان" جديد .. بلا شىء من قديمنا ! لا الأشخاص و لا الأشياء .. غاب و رحل الكثيرون .. و تبقى بقايا من الباقين ..
لا يغير عجزنا عن الإدراك من الوضع شيئا ..
"و قل عسى أن يهدين ربى ﻷقرب من هذا رشدا"


-3-
التمحيص ...
الابتلاءات التى تعيد تشكيل الصفوف، تستبعد البعض و ترتقى بالآخرين ...
من جديد أتساءل هل مقام الإنسان فى مقامه الفعلى أم فيم يرغب فيه ؟
و إذا لم يشبه السعى الرغبة فلم بعد يتذكر و يتمنى ما لا يدفع لأجله ؟
أن ترفض كل الخيارات زعما منك بأنك "لديك أسبابك" ، التايهة التى لم يأت بها غيرك ! ما أحطت به و لم يبلغه سواك!
و ماذا عند البدائل؟ أضف إلى ضبابية كل الأوضاع الاستنزاف الذى عصف بك ..وجب الوقوف على أسبابه ..
ترجيح للمصالح الشخصية و تنفيذ لكل ما ترفضه "تنظيريا"..
إذا كان المقام بالواقع .. فقد أخفقت ..
و إذا كان بالرجاء فمساحة ما بين الأمنيات و الواقع لابد أن تشكل بطريقة لا أعلمها كالعادة ..


-4-
الخوف و الحياة متلازمان لا ينفصلان ..
ربما تتلاشى أشياء كانت مصدر خوف لنا فى وقت ما ، لا يعنى هذا أنها لن تعود أو أن أشياءا أخرى لن تحل محلها ..
يبقى دافع كسر الخوف و التغلب عليه واحدا أبدا ...من جديد، تلك القوة المتجددة للتميمة السحرية " لا إله إلا الله" و "الله أكبر" ..تمتلك بها الدنيا فى يدك و لا تكون فى قلبك -عين الزهد و التوحيد-
ربما تتعدد الأسباب و السعى نحو الغاية ذاتها واحد ..
وراء كل خوف يكسر خطوة إلى تمام الحرية و العبودية لله وحده ..
الآن -كما لم أكن من قبل- أخشى التكرار، الوقوع فى الأخطاء ذاتها دون التعلم ، أخشى الاستغراق بشدة و لا أتمنى أن أترك له مكانا فى حياتى ربما لهذا تحديدا أحافظ على تلك المسافة بينى و بين الأحداث..
اللهم اكفنا شر الجديد من المخاوف أما قديمها ..فاكفنا شر الارتداد على الأعقاب معها ...


-5-
ربما تولدت رغبة الدراويش المستمرة فى الترحال و السفر من فهمهم لروح الأشياء ...الأرض تصرح بتجارب الآخرين مع البارىء.. آلامهم ، دموعهم ، أهواءهم ، أمراضهم، ارتقاءهم على الطريق...منحنيات الأمل و اليأس..
لو أجوب الأرض لأرى الله بعيون عباده المخلصين الطائعين منهم و العصاة ...
للكل رب واحد ..
للسالك رب يحميه و يرشده. .




Friday, January 24, 2014

أهو دة اللى صار

لما كان الحلم بالتحلم ..
و كان الصبر بالتصبر ..
و كان العلم بالتعلم ..
كان ما جرى ..
كم تتغير النفوس و تتبدل الأحوال من وقت لآخر , كم تحدث أشياء لو لمح أحدهم أنك ستمر بها لاتهمته بالجنون!
ما بينك و بين الله , ما بينك و بين الناس , و ما بينك و بين نفسك .. خطواتك فى رحلات التعرف على كلٍ منهم هى خطواتك على الطريق ..
أمر على دفاترى القديمة ..
أرى بخط يدى مكتوبات تعكس ما أردته بحق و ما مررت به , كنت أكررها دوماً "أريد ألا أريد ..فأرى النور فى قلب الظلمة" .. عشت بها فترة , كانت معيار كل شىء حولى ..و نسيت فى خضم الأحداث اليومية ..
مرت الأيام , خلفت وراءها "كوارث روحية" ..
عرفت الخوف ,عرفت كيف يخسر المرء تفادياً لخسارات قادمة ,و كيف يمحو ملذاته بلذة محوها! و كيف يغير مسار يومه لكى لا تلتقى عيونه بعيون من كان لهم فى القلب نصيب فتسببوا فى جراح و آلام لا حل معها سوى طول النظر للسماء و التمتمة بـ"يا رب داوى " ..
شهور من الوجع الذى لم أعرفه من قبل ..
دموع .. لا تجف ..
آلام .. تصورات جديدة تؤمنك خلف خطوطك الدفاعية ..
مسافات مضاعفة ..
هروب متواصل ..
كان الجهد المبذول لكسر هذه الدائرة المفرغة خرافياً !
"الصدق منجاة " ..
لحظة , تقف فيها أمام ذاتك و تسأل : "كيف وصلنا إلى هذه النقطة ؟ لم يحدث ذلك ؟ ماذا أريد؟ "
أن تضع يدك على القيمة المركزية , إنه الاستعباد فى شكله الجديد !
تمر الأيام , عام تلو الآخر ..
تستيقظ ذات يوم , تنظر حولك ... فلا ترى بشر على كثرتهم ..
تتأمل تدابير الله و تصريفه فيهم و فيك , و فيكم معاً ..
أنت فى منتصف الدائرة , و لكن شىء ما بداخلك يتمتم دوماً "قد هجرت الخلق جميعاً أرتجى , منك وصلاً فهو أقصى منيتى " ..
تبدو الجملة مستنكرة لى فى كل مرة أقرأها .. متطرفة ..
إلا أنها صادقة لأبعد حد, قد لا تسعى إلى الوصول لها حتى تجد نفسك فيها و تجدها بداخلك .."أهو دة اللى صار! "
فيما مضى ..
كنت أحاول أن أنسى الجميع , و أن أنسيهم إياى ..
مؤخراً ..
أدركت أنهم لن يحتلوا مساحة تفوق الهامش دوماً ,هامش الكوكب ,هامش الروح, هامش الأولويات ,هامش الأفعال و ردودها ..كل شىء ..
إذ أنهم متى رأيتهم بـ"مقياس الرسم" الطبيعى ,كأداة من أدوات الكون ..هانوا!

أضف إلى ذلك ..
عودة نوبات الاستكشاف و التساؤل التى يتضاءل معها كل شىء حولى من جديد فوق ضآلة حجمه الأساسى ..
العلامات , التى تنهال علىّ أحياناً و تنقطع فى أحيانِ أخرى ..
الحقيقى منها و المختلط بالهوى ..
التفسيرات التى تؤرقنا ,الأقرب للحدس و الأقرب للمنطق و العلامات المفقودة التفسير كلهم يتزاحمون بداخل رأسك ..
ما بين ما نتمناه و بين الحقيقة ,بين الانذارات و الاستبشارات ,و السؤال الدائم : حنصد ؟!
"أنا لسة يا رب , بحطة إيدك عالمسرح , أنا لسة بحاول أستوعب فى طبيعة الدور , معييش النص ! "
الوقت .. هل سيكون كافياً للوصول لما استنتجنا أنا له ؟ أم هل سنفاجأ بأن مهمتنا ذات طابع مختلف؟ هل لنا مهمة من الأساس ؟ ما القيمة المركزية و من محورها و كيف سيتعايش الآخرون مع ذلك ؟! ما حجم التضحيات ؟! و من المكلف بدفعها ؟! و فى سبيل ماذا نبذل ؟! كيف السبيل ؟!
التفاصيل فى الصورة تتلاشى تقريباً مع ابتعادى عنها ..
الـ Zoom out الذى لا يفلح معه أى محاولات للتقريب ..
لم يعد الخلاف مع البشر -على صعوبة أن يظلوا "بنى آدمين" فى هذا التوقيت الحرج -
المشكلة الآن مع "الزمان " ..
بسيفه البطىء الذى يمر قاطعاً الكثير من الأشياء فلا تعود كما كانت أبداً !
أردد كثيراً "و ينسانى الزمان , على سطح الجيران" أو فى أى مكان أجد فيه لحظة صادقة حقيقية , واضحة ,متبلورة ..
يا إلهى ..
(متر فى متر )
فى أى مكان .. محراب صادق ..رقعة بسيطة من أرضك الواسعة تحكمها معايير الفطرة , لا تخضع للأفورة و لا للسيطرة و لا للتزييف ..
أترك الزمن يمر لأتحرر من قيده الذى أدمى معصمى ..
"مفيش وقت" أصرخ فى الكثير على مرار الأيام! أكررها ..
و أتابع "كونوا على مستوى الحدث " .. الحدث هنا يشمل المأساة بامتدادها و اتساعها .. وجودنا على هذه الأرض فى هذا الزمان !
قصر الرحلة , و شعورى بأنها ستكون أقصر من شعورى بقصرها كثيراً .. يدفعنى لإعادة ضبط الوجهة !
لا نملك الكثير من الرفاهيات .. أهمها الاستسلام و البحث عن "الراحة"!
لا نملك الوقت ! لا نملك الاختيار ! لا نملك حلول!لا نمتلك أحد و لن يمتلكنا أحد! لا نملك شىء !
"لا أشياء أملكها لتملكنى "
اليوم أدرك كم من الله علىّ بمساحة حرية و توكل و تسليم جديدة لم أكد لأبلغها لولا كل ذلك !
الآن أدرك هون كل الخسارات أمام المكسب , أمام شغف المعرفة ..
الآن أدرك هون كل الأوجاع أمام وجع الحياة , و أمام وجع التمسك بالحياة تحت أسوأ ظروف عدم الحياة !!
كم تبدو الآن آلام الماضى سخافات ..
للحظات قليلة من التصالح كهذه نمضى قدماً ..
كم يدفع المرء ليبتسم حين يعيد النظر إلى ما مر به فى رحلة بلوغ التصالح و النضج ؟
"كل الحاجات فى أولها حلو إلا النضج " ..
لله الأمر من قبل و من بعد ..

و فى سياق متصل أو منفصل ..
أسجل التالى ..
للزهد حلاوة , و إن سبقتها مرارة الفقد ..
و إن اتعبنا تعلم الاستغناء ..
و إن عانينا من آلام تمزيق الروابط ..
فبقدر كل قيد نتحرر منه ,خطوة إلى تمام العبودية ..
خطوة للتجرد و التوحيد ..
اكتف بزاد طريقك و اترك لله مهمة اختيار ما يصاحبك من كمالياتك ,و لا زاد لنا سوى "التقوى" ..البر و التقوى و من العمل ما يرضى الله ..
و البر لا ينال بغير الانفاق مما نحب ..
و كل ما نبذل فى سبيل المحبوب يهون ..
"و باذل حبه فى حب من يهواه ليس بمسرف "
الخط الفاصل بين الزهد و اليأس جد بعيد ..
الارتقاء دائم , قد يتحول يأسك زهداً يوم ما!
و تيقن أنك لا تصل بغير السير ..
و لذلك و لأكثر من ذلك , "أحبب حبيبك هوناً ما "
لا يملك عابر سبيل أكثر من ذلك ..
السكينة و التوازن لا مدخل لهم من باب أوهام السيطرة و التحكم !
إنها الممارسة .. التصبر / التحلم /التعلم /الاستغناء ..
بهم تأتى سكينة حقيقية و سلام داخلى ..
و لذلك أداعب الأصدقاء و الأحباء دوماً و أنا أغنى : "و إن كان أمل العشاق القرب ,أنا أملى فى حبك هو الزهد" ..

إنما الغنى ..بالاستغناء ..