Sunday, September 27, 2015

مزامير

- 1 -
"رمز الماضي"

عادة ما تكون فكرة التقليب في القديم من الكتابات مربكة، عادة ما يحمل المرء قلق بسبب لقاء عابر مع صديق قديم، عادة ما نخشى زيارة أماكن كان لنا فيها أياماً، للماضي هيبته دوماً فهو يأتيك محملاً باحتمالات "المفاجآت" اللامتناهية! يضعك أمام صورة ما قديمة وأخرى أحدث منها لنفسك أو للآخرين -وربما لا تكون مستعداً لاستقبال ذلك أو مجرد التفكير فيه-.

الأمر ليس بهذا السوء في الواقع، أقضي بعض الوقت خلال أجازتي في التقليب في بعض الكتابات والصور، أقابل بعض الأصدقاء كذلك، ولا أخشى بدايات الحديث مع من هم أقدم منهم عهداً بحكم "المناسبات الاجتماعية والدينية".

أعتقد أن المقارنة في صالحي ..

أرى اختلافاً كبيراً، لم أعد أرى ضحكتي ببهتانها القديم، الألوان أزهي مما كانت تبدو عليه، الزحام لا يربكني بل أشعر معه ببعض الدفء، والجديد من الأماكن لم يعد جديداً بعد عام من الذكريات والحكايات والعلاقات ..

التجربة لم تكن مرعبة، والنجاة منها كان ليكون أسوأ اختيار على الإطلاق ..

تحررت بالتدريج من ثقل الكثير من التراكمات والتجارب، واستنزف بعضها كل الألم حتى أن أشعر أنه ما عاد في مقدوري أن أتألم لأي شىء قط -محض هراء طبعاً، تثبت الحياة بين الوقت والآخر العكس- ولكني أعلم علم اليقين أن الله يمنح منه القدرة على تجاوزه ..
فانتازيا وجود الكثير من التواريخ الهامة في حياتك -السفر، العمل، التجاوز، القرارات ...-، وسحر تزيين دفتر التواريخ بحكايا أشخاص لبعضهم أثر الخفة من المرور ولآخرين أثر أكثر عمقاً، زخم الانتقالات الكبيرة والخطوات الكبيرة والتغيرات الكبيرة .. وتمني أن يكون هناك دوماً الوقت لنقف ونسأل ونتأمل كل ذلك ..

ربما "عقدة الوقت" هي الوحيدة التي لم أتنصل منها حتى الآن .. "الوقت مش دايماً معاك"، آخري في التطبيع معه وصل أن أدرك أنه "مش ضدي برضه .. "

أقدر دوماً هذا الكم من التجارب التي نمر بها فيشكلنا، ثم يعيد تشكيلنا، ويعيد تعريفنا لثوابتنا، ويبلور بعض الأفكار ويطرد آخرى .. هذه الديناميكية الصحية بالتأكيد التي نكون بعدها من نحن عليه، مهما كان ذلك مرهقاً ومهما كان مؤلماً ..

معترك الحياة لا يمر بدون خسائر بالطبع، قديم عهد بتصالح مع "الترك" يغلب بعض الرغبة في "التمسك"، وقديم عهد من الرشد يبث في المرء طاقة وزن الأمور وتقييمها بين الحين والآخر ..

وأهو كله على الله ..

(مواعيد مواعيد، كله بميعاد .. فرقتنا موت ولقانا ميلاد ..
قلبي يا غريب الخطوة نصيب، الفرح قريب ..يا نغم ولاد .. )



-2-

في مكتبي وأمام ناظري لوحة كتب عليها "اللي يعيش ياما يشوف واللي يمشي يشوف أكتر" .. أراها يومياً لما يقارب العام، اتأملها أحياناً وأعتبرها جزءاً من الديكور في أحيان أخرى .. ولكن فرصة أن "أعيشها" لم تسنح قبل هذا العام ..
بين محافظات مختلفة: القاهرة - كفر الدوار -إسكندرية - السويس -كفر الشيخ 
وبلاد مختلفة: مصر - الأردن - اليونان
واستقرار في أماكن مختلفة بين القاهرة والإسكندرية
وبالطبع ناس مختلفة!
بين ذلك كله ورغم ذلك كله -مع التحفظ على عدم تعريف "كله"- لا أعلم بعد السبعة فوائد المذكورة للسفر ولكني أعلم تحديداً فوائد لم تكن أبداً في الحسبان لم تتشكل بعد، ولكن بقرب "النهايات المجازية" ربما تتبلور الأمور ..

فلله الحمد

(دة أنا واد خيال عاشق الترحال على قد الحال ..
لكن ميال ..)


- 3 -

الإغراق والاستغراق وسنينهم ..
ذلك التطرف القديم والانحياز للعقل، وتدريب الشعور دوماً على التفكير الهادىء قبل البوح انضم له تطرف آخر خاصة "بالعملية"، ضفه إلى الشعور بنفاذ الوقت طوال الوقت -هع- نشكل صورة لفيلم عربي قديم تقوم بطلته بالجري دوماً من شىء ما أو إلي شىء ما مع نفاذ القدرة على التقاط الأنفاس في أغلب الوقت، واحتمالات فقد الاتزان المرجحة بشدة تظهر بين الحين والآخر .. في الممشي الكثير من الأشياء التي تستحق الوقوف .. ربما كان الجمال هناك، ربما كان الصدق هناك، ربما كان الثبات هناك .. فلم السعي لآخر؟
تقف لثواني ..
تتذكر كم تكره المؤجلات وكم تخشي الوقت ..

(الصبر سبيل .. الخطوة طريق )



- 4 -

" ربنا خلق الكون ب16 تيما، من أول خلق قابيل وهابيل لحد ما الدنيا ما هتخلص هتفضل دي تيمات الحب والصراع والنزاع والعلاقات وكل حاجة ، مفيش تيما 17 .."
والبني آدمين واحدة والصراعات متشابهة والرحلة -قد تكون- كما قالت صديقتي بالأمس "فردية"

(فرحنا تساهيل ..)



- 5 -

لهم، لبعض الظل في يد الصمد .. -أحرف عوضاً عن الأسماء-

لقدرتها على إلهامي دوماً باتزانها وثباتها على أرضيتها الصلبة وإن كانت تعيش في منطقة زلازل/ ص.
لقدرته على أن يقول للحلو يا حلو في عيونه، ولأن يعترف لكل شخص بفضله/ ي.
لشعوري نحوهما بالمسئولية والأمومة، لغبطتي لهم على سرعة تجاوزهم للقديم من المراحل ولإشفاقي عليهم مما قد يكون قادم، لثقتي دوماً فيهما ومعرفتي اليقينية بأنهما سيكونا يوماً -اللي على مزاجهم-، لخفة حضورهما وانسيابية التلاقي رغم ابتعاد المسافات/ ر. وم.
لجنونها وانطلاقها وللخلاط الذي تحيا فيه دوماً ولعشوائية أفكارها وشعورها./ س.
لصدقها وجمال نظرتها للأمور وهدوءها المشل أحياناً لمن هم مثلي. / أ.
لصراحته وصراعاته بين القبح والجمال، ولقدرته دوماً على أن يذيل كل الصراعات بـ"يلا يلعن أبوهم ولاد كلب"./ ع.
لصحبة المشي والضحك والتواصل الخفيف، لسرعة تقبل تغيره من مكان لآخر مع الحفاظ الدائم عليه./ هـ.
للعقل والصبر والإصغاء والانتصارات الصغيرة والثورات الكبيرة عنده الصغيرة عند الكوكب./ جـ.
لـ"كوبري عباس" ووقفته معه كفاصل بين وسط البلد والجيزة، ولما يكون في ذلك دوماً من حوارات صادقة./ بـ.
لاتساقه مع نفسه، ولانتزاعه الحق في الاحترام من كل من يختلف معه ولخفة الصحبة وذكاء فهم الآخرين واانسيابية. /أ.
للدايت اللي عمره ما بيكمل معاها، وللاتنين كيلو بس الزيادة، وللبساطة. /أ.
للنضج الأربعيني في البدري، لتصرفات شكر نعمة الله وعمل من الصالح ما يرضاه بعد النضج. /ع. وم.
لإعادة اكتشافي لهما التي بدأت في وسائل المواصلات على سفر ولصدقهما. /أ. وح.
لغموضه وحيرتنا فيه، وظهوره المبكر وتأكيده عليه خلال الوقت، لصاحب العقل الأوحد القادر على إبهاري وللسؤال الدائم معه:"الحب حلم وبس ولا بصحيح؟" ./ أ.
لعنف اللقاء الأول، ولانسيابية اللقاء الثاني، ولاختياره فاصل زمني كافٍ بينهما لابتلاع الخضة./ ش.
لأثر وعنف الصدمات المتجلي في كل جوانب حياته./ إ.
لحضورها دوماً الخفيف المعطر برائحة الريحان. / ع.
لجمال نضجها، ورقي روحها، وزمزقتها الطفولية. / ن.
لها ولما كنا عليه، ولأمل العودة. /أ.
لتفاهة أو عادية الآخرين أو قدرتي المبهرة دوماً على التسقيط.


خلفية موسيقية مقترحة: قلبي مزامير / محمد منير

https://soundcloud.com/mohamed-kamilao/vljhku28behu

اللوحات: فان جوخ

Saturday, April 4, 2015

سقفيات

- 1 - 

"إذا وقفت هناك ..
وبلغت مناك ..
ووضعت يداك على الشباك ..
سلم لى عالنبى .. "

وكالة الغوري / المولد النبوي الشريف

- 2 -
ارفق اللهم بالحيارى والتائهين وفاقدي الدروب، والسائرين عليه بلا وجهة واضحة، والسائرين المحملين بثقل التراكمات، والمتردين والمتمردين والمنغمسين في كل ما يحيد عن التوازن ..

- 3 - 
معيتك / وغناك عمن سواك ..
"كل الخلائق ظل فى يد الصمد" 

- 4 -
ونحن نربي الأمل، ونربي العزم، ونربي أنفسنا، ونحن نحيي أياماً طوالاً وليالي ممتدة موصولة بالنهار، ونحن نرجو، وننسى، ونغفل، ونعود، نتوقف، نستوعب، نكد ..فنرجو ونفتر!

ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً ..
ونحن نحب الله، ونحبنا حين نتمسك بالدرب ..
ونحن نحب الحياة أكثر إذ تجود ببعض السكينة ..
ولو كان لها بعض الوضوح ..لأحببناها أكثر وأكثر ..
ولكن .. نحن ، لا نحب الأمور البسيطة ! 
ربما!

ولكن تذكرى يا صغيرة أن الأصل في الأشياء -ما زال- فى البساطة ..
أن الناس حلوة، وأن الزهد خفة، وأن الخفة نور، وأن للنور المسعى، وحده ..
ألا تستبعدي أى احتمال، ألا تتسرعي ولا تقولبين المشاعر والبشر ..
ما زالت الأيام قادرة على أن تدهشك ! 
ما زلت صغيرة ما دمت لم تفقدى القدرة على الاندهاش ..
ما زال هناك الكثير ما دمت فيك هذه القدرة على الخفة والرضا والسعادة ..
الله أوسع من ضيقنا ..
والخط الزمني الممتد يتسع لقصصنا وقصص آخرين ..
والتصنيفات أرحب من أن تضيق بساكنيها أو أن ترفض ما لفظه بند ما، يسعه بند آخر ..
والأرواح جنود وللجنود أسرار، وبعض الحروب ناعمة بالضرورة ..

قلتِ يوماً من قبل: حاسة إنى بكبر فى اليوم 100 يوم ..
فقال أحدهم: لما تكبرى فى اليوم يوم واحد بس هتكونى كبرتى فعلاً ..

وقد صدق ..
فالروح أخف، والجروح تطيب ولا نريد لها قصاصاً، والشغف يتبلور، والقادم يظهر بوضوح أحياناً ..



- 5 -
أتعلم يا صديق أن أكثر ما أكره فى هؤلاء المستبدين تجاهلهم للوقت ؟!
لا تقدير للوقت عند هؤلاء ..
الوقت الذي يفرق الأحبة ..
الوقت الذي يلم الشمل ..
الوقت الذي يمر مشكلاً حياة كاملة نحياها جميعاً مستأصلاً منها عضو بشرى حجبوه عنا! 
الوقت الذى بطوله ينشأ معه التعود، ويجعلنا أميل للتطبيع مع الانكسارات..
فتنقلب الموازين ..
إذا كانوا لا يعرفون الوقت، فهم حتماً لا يعرفون الحب ..
والوقت والحب رفيقان، نوع الرفقة الكاشف، الساند والداعم ..
 الحقيقي دوماً ..
حين ينحاز الصديق للحقيقة حتى ولو على حساب صديقه -بالشكل الضيق- ..
الوقت يعطي الحب فرصة للنضج ..
الوقت يعطي الحب فرصة التراجع ..
الوقت يعطي الحب فرصة التجاهل ..
يعطيه فرصة دائمة لإعادة التقييم ولا ينصفه، إلا إذا كان صادقاً ..

الوقت والروح من أسرار الله في كونه، لا منطق يحكمهما! 
كلاهما مهيب .. وتجلياتهما لها من الجلال والجمال الكثير ..

بمرور الوقت وبالحركة نتكون، نتشكل، نصبح للحقيق أقرب خطوة -وهم لا يبالون بالحقائق- لا لأنا أوشكنا على الوصول بل لأنا نكون بالتدريج مفهوماً واضحاً عن الأكاذيب، عن الباطل، عن كل ما لا نريد،عنهم يعني!

أكرههم، وألومنا أحياناً ..

كان الحدث يا عزيزي جلل، والأثر عميق ..
والقصة التي لم تكن أبداً تخلو من المنطق في التصور والربط والتحليل، كانت كذلك عاطفية بامتياز، كانت كحلم عابر شديد القرب، ربما لذلك أتراجع عن لومنا كوننا تعاملنا مع الأمور بتصورات رومانسية لا تشبه الواقع، فلأن العام الحتم بالخاص فشكل لنا حياة لا ننجح فى فصلها عنه، كان له من نصيب حياتنا .. وكان لنا من نصيب موته!

الثورة بكل ما فيها تصلح لفكرة مجردة تقع فى غرامها، تعيد ترتيب حياتك لأجلها، الثورة كحلم بعيد المنال يزرع حياتك بين حد الممكن وحد المستحيل ليجعلها ملحمية -ومن منا لا يلتمس بعض البطولة؟! - ،الثورة في عنفها وعنفوانها، في فرحات الانتصارات المؤقتة العابرة، وفي حتى خذلاناتها وخيباتها المتكررة! في كونك تتحرك بسرعة وبلا قدرة على التوقع من معسكر إلى آخر..
قلة / كثرة / قلة ... وهكذا دواليك ..
أنت الملهم والقائد والمعلم، وأنت المخذول من الجميع، أنت المظلوم وقد تكون غداً ظالماً .. -هون عليك، جميعنا قد نكون، فلا ضمانات - 
وأنت لم تكن إلا .. ثائراً ! 
نحب الفكرة "الثورة" قدر حب القيم في جمالها وتجردها وبساطتها حين نتخيلها بلا تنظير لكيفية تحقيقها على الأرض ..
العدل / الحرية / الحق ..
الحياة / الجمال / الحب ..
مسارات مدهشة ومغرية لا تنجح في مقاومتها!
فلذا قيل فيما قيل " بشروا بالحب والثورة" وأقول: واحترموا فعل الوقت ..