
لن أتكلم اليوم عن شخصية مشهورة ولا عن شخصية تعاملت معها بشكل شخصى,هو رجل من النوع الذى يراه البعض-عاديا-,رجل أتى و رحل فى هدوء دون أن يحدث ضجة فى هذا العالم و لكنه أحدث تلك الضجة فى عالم كل من منحتهم الأقدار شرف لقاؤه
هو فيلسوف يابانى لم يبلغ من الشهرة ولا من المجد ما بلغه غيره من الفلاسفة و لكن منهجه أسرنى حقا,هو ساخر حتى النهاية,قابل كل ما فى الحياة بابتسامته الهادئة,فإذا حبته بنعمة ابتسم و إذا تتابعت المصائب فى سلسلتها الشهيرة ابتسم أيضا متعجبا و مفكرا,كان مريضا و فقيرا و مبتسم!!!
كان يعيش فى بيت بلا قطعة أثاث واحدة و لم يفكر حتى فى سوء وضعه بل أخذ يرسم صور للأثاث الذى كان ليشتريه لو كان معه الثمن متمسكا بذلك بأحلامه البسيطة العميقة حتى لو حرم منها
لم يكن يملك الكثير من أى شىء,و لكنه كان محرك دائما لغيره لإمتلاك كل هذا الكثير,هو من هؤلاء الأشخاص اللذين يهوون العمل من وراء الستار,فحث تلاميذه على التعلم و الكد و العمل و الكفاح ليصلوا إلى كل ما لم يستطع هو الوصول إليه
اّمن بأن الشخص المتميز ناجح و الأنجح منه من يضع الاّخرين على طريق التميز غير مكترث بالكادر الذى لن يظهر أبدا به فكان تبعا لقانون الجذب مصدر موجات إيجابية لكل من حوله
كان مريضا فقابل المرض بسخريته المعهودة,كان معطاء و لكنه لم يكن يملك ما يعطيه,فاتبع مع تلاميذه نفس أسلوب كساء منزله بأثمن قطع الأثاث,رسم كل ما تمنى اهداؤه إلى تلاميذه و أعطاهم لوحاته معتذرا لهم بأنه لا يملك أى شىء اّخر يستطيع تقديمه
و ها هى حياته تشرف على الإنتهاء و رصيده الوحيد حب من حوله و ابتسامة جميلة بدأت تفتر للمرة الأولى فى حضرة كل تلاميذه-فمن المستحيل أن يخذل أحدا هذا الشخص-,اكتسح الجد ملامحه فجأة و توجه إليهم مقدما لكل منهم علبة و أوصاهم بأن يضع كل منهم علبته فوق جثمانه أثناء حرقه بعد وفاته
و توفى بالفعل و شرع الأبناء الأبرار فى تشييع معلمهم بالبكاء و النحيب,وداعهم له لم يكن وداعا لشخص مر على الدنيا مرور الكرام,بل ودعوا فيه رمز الحياة و قيمة التشبث بها و الاستمتاع بها مهما كانت قاسية,قيمة العطاء حتى و لو كان الرصيد صفر,قيمة الإيثار, و قيمة الخلود...فنجاحه و فلسفته و فكره باقون فى كل من أثر بهم هذا الرجل
و شرع التلاميذ فى تنفيذ الوصية و وضعوا العلب فوق الجثمان أثناء الحرق,فإذا بالعلب تحتوى على ألعاب مفرقعة و صواريخ ملونة تتطاير فى كل مكان و تحيط الجو بمرحه المعتاد -الذى سيظل خالدا كذلك-فلم يتمالك التلاميذ أنفسهم من الضحك متلقين بذلك اّخر دروس فيلسوفنا المبجل فى ايجاد الجانب المضىء للحياة أو حتى للموت
قد يراه البعض لم يقدم شيئا لنفسه و لكن ما قدمه لغيره عندى يشفع له
هو جيبشنا إيكو
ألا تراه حقا شخصا خارق للطبيعة؟