Tuesday, October 11, 2011

وجه لا أعرفه


يومان و لم يغب هذا الوجه عن عينى لحظة واحدة,يطاردنى أينما ذهبت,يطاردنى مرة مؤنباً,مرة مواسياً,مرة مسترجعاً ذكريات وهمية لم نتشاركها سوياً كأشخاص و لكننا كنا شركاء فيها كمواطنين..أهرب منه فأتكلم و أتحدث و أتناقش و أحلل محاولة فهم ما حدث و ما يحدث و ما سيحدث,أعرف تماماً أنها محاولات وهمية على المستويين,فلن نفهم شيئاً و لم يتركنى صاحبنا أحظى بأى هدنة!!

هو ذلك الوجه الذى أعرفه و لا أعرفه..مينا دانيال.

كان للمجزرة ضحايا كثر,كانت فيها مشاهد تفطر القلب,مشاهد لن ينساها أى مصرى,لن ننسى مشهد بكاء "فيفيان" بجوار خطيبها و حبيبها –أو بالأحرى- جثته الملقاة على أرض المشرحة التى أكتظت بالشهداء باكية و رافضة تركه كعادة المحبين ,فهما هكذا دائماً,و لكن الجديد,أنه أصبح فى عالم اّخر!!

لن أنسى صور الجرحى و المصابين التى لا أقوى على ذكر أوصاف لها حتى!

لن أنسى ذلك المشهد المهيب فى الكاتدرائية وقت قداس الجنازة على جثامين الشهداء,وقت أن أزدحم المكان عن اّخره و لم يوجد موضع لقدم,كان الحضور مختلفين متشابهين,جمعهم الغضب و الحزن.

لن أنسى مبنى ماسبيرو المشؤوم-الذى أطلقت عليه الإعلامية هالة فهمى قلعة الخطيئة,- أنه أفضل تعبير قد يطلق على جهاز بهذا القذارة قط,جهاز لم يسمع عن معنى كلمة مهنية,جهاز لا يبالى بشرف الكلمة,اعتاد ان يكسب قوت يومه من "التطبيل" و إذا كان مبارك ذهب,فالمجلس موجود,و الطبلة موجودة,و الضحية دائماً هم المواطنون.مارس ماسبيرو تغطية لا تعتبر أفضل كثيراً من تغطيته لأحداث الثورة,حتى أنه مارس تحريضاً واضحاً و فجاً على حدوث فتنة طائفية كانت الأحداث بعيدة عنها كل البعد.

و على طريقة أجهزة الحاسب الاّلى,حدثت معلوماتى عن مشاهد دهس المتظاهرين بمدرعات الشرطة أنها قد تحدث أيضاً بمدرعات الجيش و بدبابته!! فلتحفظ يا عقلى فى ذاكرتك أن البيادة ليس لها دين,و لتلغى لوم منير على كلمته "كل العسكر حرامية"

و من بين كل هذه المشاهد التى أتجول بينها و أسترجعها طوال اليوم,كان حضور مينا الأقوى.

بينى و بينه تشابه كبير,كبير جداً,كلانا مهتم بالشأن العام,و كلانا لأنه انشغل بهذا الشأن اهتم بتلك اللعبة القذرة المسماة بالسياسة...أنا من منازلهم,و هو كان ناشطاً فى حركة"شباب من أجل العدالة و الحرية"..كان أفضل و أشجع منى.

كلانا يأس من محاولات الإصلاح و علم أنه لا بديل عن ثورة شعبية تقتلع الفساد من جذوره , تقلب الأوضاع عشان تتعدل فهى فى الأصل مقلوبة...علمت أنه كان من أكثر المؤيدين لدعاوى التظاهر يوم 25 يناير.

فوجدتنى أتخيل أنه خاض مثلى نقاشات حامية مع الزملاء و الأصدقاء يومى 24 و 25 يناير,حارب مريدى اليأس و صرخ فى وجههم,حتشوفوا!! و شعر بفرحة صباح يوم 26 يناير بذلك النصر المؤقت الذى حققه كجزء من كل, ليس فقط على ذلك النظام اللعين و لكن على اليأس,و الإحباط,و الكفر بالعدالة الإلهية و بالشعب,ربما أراد أن يصرخ فى وجه من كذب توقعاته واحداً وحداً ليقول له :أحنا صح كما تمنيت أنا أن أفعل,و لكننا توقفنا فى ترقب و فى سعادة مؤقتة بما تحقق و فى تطلع لما سوف يأتى.

و علمت أنه كان فى أوائل صفوف المتظاهرين يوم 28 يناير॥كان أفضل منى أيضاً يوم أن منعنى خوف الأهل-الذى أقدره- من المشاركة,لا أدرك كيف استقبل خبر نزول الجيش ,و لكنى أعتقد أنه هتف كما هتف الجميع-بعضهم عن اقتناع و بعضهم من باب تقديم السبت- :الجيش و الشعب إيد واحدة!!!و قد يكون احتفظ بصورة له مع الدبابة.

هدأت الأجواء نسبياً فكان فاصلاً من الهزل مع صديقه محمد فى الميدان,و كانت الغنوة:مينا,محمد,ليه الثورة جميلة و حلوة و أنت معايا؟! تلك الفواصل التى كانت تأجج الحماس و تشعل فتيل الثورة فى النفوس من جديد و تضيف إلى المستقبل تاريخاً مرحاً بقدر مجده.

ترى هل خدعه خطاب مبارك الثانى كما خدع الكثيرين؟ لا أظن ذلك أبداً, فهى ثورة كاملة يا إما بلاش.

و على كل حال,فجاء اليوم التالى للخطاب,يوم موقعة الجمل الدامى فكان من أوائل المدافعين عن الميدان,بل و أراد له الله أن يصاب برصاصة فى كتفه و أخرى فى ركبته,يذهب ليضمد جراحه و يعود لمشاركة الشباب فى الدفاع عن الميدان..شهد له الجميع ببسالته و إقدامه,اعتقد إنه لم يكن يظن أنه سينجو من ذلك اليوم على أية حال,و لكن المعجزة حدثت,و عاش بتذكار من الثورة..و كان أفضل منى أيضاً.

توالت الاحداث,تنحى مبارك,احتفلت أنا,احتفل مينا,احتفل المصريون جميعهم.

و عشنا أياماً على منحنى غير ثابت من المشاعر,بين اليأس و الإحباط,بين القلق و الإطمئنان,بين الغد و الأمس,بين الثأر و الدم,بين الشهداء و الجرحى .

من يومها أفكر يومياً فى شهداء الثورة,أنظر إليهم بإعجاب شديد,ليس فقط لبسالتهم و لما قدموه لذلك الوطن,بل لأن اصطفاء الله ل"شهيد" شىء تتعلق عليه كل الاّمال, الشهداء الذين لا يموتون,الأحياء عند الله الذين يرزقون,الذين كان لهم المجد دائماً...ليتنى كنت معهم,ليتنى نلت شرف هذا الإصطفاء,ليت محبتى لوطنى تأكدت بدم.

و فى كل جمعة تتجد الأمانى,و أعود سالمة للأسف..فعمر الشقى بقى.

أعتقد أن مينا أيضاُ كان يفكر مثلى,و لكنه كان أوفر حظاً منى,ليته يعرف كم كنت أتمنى أن أكون مكانه,أتراجع عن هذه الأمنية حينما يحضر أمامى مشهده و هو يهتف:الجيش و الشعب إيد واحدة, و مشهد اختراق رصاصة من تلك "اليد" لتمر من جسده النحيل و تخرج حاملة معها روحه و يا للعجب بوجه باسم سأظل أذكره,و سأذكر ذلك التشابه بينه و بين تشى جيفارا فى ملاحظة ذكية لرواد فيسبوك.

انضم صديقى –الذى لا أعرفه- إلى خالد سعيد,ميريام,أحمد بسيونى,سالى زهران,اللواء البطران...انضم لقائمة من قتلوا ظلماً و عدواناً , رحل تاركاً وراءه لنا حملاً ثقيلاً,حمل النهوض بهذا البلد لترقى بمستوى أحلامه هو و زملاؤه فى السماء.

يرقبوننا... الليلُ آذَنَ بالرحيلِ فَيا رفاقي .. تُصبحونَ على وَطَنْ !

6 comments:

Moataz Muhammad said...

فعلا مقال رائع جدا. التيمة العاطفية باينة جدا و دي حاجة كويسة فعلا علي الرغم من إن العاطفة مش هاتنفعنا في موجهة السكاف ، بس الربط عجبني فعلا. طبعا مش قادر أشكر في الكلام عشان الموضوع مأساوي و لا يحتمل أي بهجة. الله يرحمك يا مينا و يجحم كل اللي ليه إيد في استشهادك...

الجنوبى said...

المقال حلو جدا

بس مش عارف احنا كمصريين ليه بنهتم بالعاطفة ونسيب المضمون التحليلى


تحياتى

تقبلى مرورى

محاولة لكسر الصمت said...

:(

Anonymous said...

ثقافة الهزيمة .. عصابة البقرة الضاحكة 6‏

و فى حوار مع القيادى الأخوانى إبراهيم صلاح المقيم فى سويسرا منذ عام 1957 و نشرته جريدة المصرى اليوم فى 23 إبريل 2011 جاء فيه:

وما صحة ما بعض المواقع من أخبار عن رفض سويسرا عرضاً مصرياً لشراء بنادق قناصة وقت الثورة؟
- حدث بالفعل وحكاها لى أحد رجال المخابرات السويسريين فى حضور عدد من الشخصيات العامة، وقال أنه بعد أندلاع الثورة بيومين تقدم السفير المصرى فى سويسرا مجدى شعراوى، وهو صديق مقرب من «مبارك»، بطلب للحكومة السويسرية لشراء عدة آلاف من بنادق القناصة سويسرية الصنع بها تليسكوب يقرب لمسافة 1000 - 1500 متر، وجهاز يحدد المنطقة المطلوب أصابتها، وجهاز رؤية ليلية ويتم التصويب بدقة الليزر، وذخيرة مخصوصة وهى لا تُحمل باليد، ولكن لابد من تثبيتها على قاعدة ويُقدر سعر البندقية الواحدة بنحو 4000 دولار، ولكن الحكومة السويسرية رفضت الطلب.

الحكومة السويسرية أدركت كيف سيتم أستخدام تلك البنادق، وبالتالى رفضت أن يكون لها أى دور فى تلك العملية. و تحت عنوان " لواء شرطة : مبارك كان يتسلى بالشرائط الجنسية للفنانات" ...

باقى المقال فى الرابط التالى
www.ouregypt.us

و المقال به معلومات هامة عن عمر سليمان

Mohamed Abdelnaby said...

مقال رائع

Mohamed Hesham Safa said...

تصبحين على وطن كذلك